للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ سادسُ أربعينَ لأبي الزِّنادِ

مالكٌ (١)، عن أبي الزِّنادِ، عن الأعرج، عن أبي هريرةَ، أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَزالُ أحدُكُم في صلاةٍ، ما كانتِ الصَّلاةُ تحبِسُهُ، لا يَمْنعُهُ أن ينقلِبَ إلى أهلِهِ إلّا الصَّلاةُ".

هذا حديثٌ صحِيحٌ لا مطعَنَ لأحدٍ فيه من جِهةِ الإسنادِ، وقد رُوِي عن أبي هريرةَ من وُجُوهٍ.

وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ فضلَ مُنتظِرِ الصَّلاةِ، كفضلِ المُصلِّي؛ لأنَّهُ مَعلُومٌ أنَّ قولَهُ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزالُ أحدُكُم في صلاةٍ، ما كانتِ الصلاةُ تحبِسُهُ" لم يُرِد به أن مُنتظِرَ (٢) الصَّلاة قائمٌ، ولا أنَّهُ راكِعٌ وساجِدٌ، وإنَّما أرادَ أنَّ فضلَ (٣) انتِظارِ الصلاةِ بالقَصْدِ إلى ذلك، وبالنِّيَّةِ فيه، كفضلِ الصَّلاةِ، وأنَّ مُنتظِرها كالمُصلِّي في الفَضْلِ، وللّه أن يتفضَّلَ بما شاءَ، على من يشاءُ، فيما شاءَ من الأعمالِ، لا مُعقِّبَ لحُكمِهِ، ولا رادَّ لفضلِهِ.

ومن الوَجْهِ الذي عرفنا فضلَ الصلاةِ مِنهُ، عرفنا فضلَ انتِظارِها، وقد علِمَ النّاسُ أنَّ المُصلِّيَ في تِلاوتهِ وقِيامِهِ ورُكُوعِهِ، أتعبُ من المُنتظِرِ للصَّلاةِ، ذاكِرًا كان أو ساكِتًا، ولكِنَّ الفضائلَ لا تُدرَكُ بنَظَرٍ، ولا مدخلَ فيها لقِياسٍ، ولو أُخِذت قِياسًا، لكان من نوى السَّيِّئَةَ، كمن نوى الحسنةَ، ولكِنَّ اللهَ مُنعِمٌ كرِيم مُتفضِّلٌ رحِيمٌ، يكتُبُ الحسنةَ بالنِّيَّةِ وإن لم تُعمل، فإن عُمِلت ضُعِّفت عشرًا إلى سبع مِئةٍ، واللهُ يُضاعِفُ لمن يشاءُ، ولا يُؤاخِذُ عِبادهُ المُسلِمِينَ بما وَسْوَسَتْ به صُدُورُهُم، ونوَوْا من الشَّرِّ، ما لم يعملُوهُ.


(١) الموطأ ١/ ٢٢٨ (٤٤٢).
(٢) في الأصل، د ٢، م: "ينتظر"، ولا تصح.
(٣) في ي ١، د ٢: "فعل".

<<  <  ج: ص:  >  >>