للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حديثٌ ثانٍ ليزيدَ بنِ الهادِ

مالكٌ (١)، عن يزيدَ بنِ عبدِ الله بنِ الهادِ، عن محمدِ بنِ إبراهيمَ بنِ الحارثِ التَّيميِّ، عن أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرحمن، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ، أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكفُ العَشْرَ الوُسُطَ من رَمَضان، فاعتكَف عامًا حتَّى إذا كان ليلةَ إحدى وعشرين، وهيَ الليلةُ التي يخرُجُ فيها من صُبْحتِها من اعتكافِه، قال: "مَنْ كان اعتكَف معي فلْيَعتَكِفِ العَشْرَ الأواخِر، وقد رأيتُ هذه الليلة، ثم أُنسِيتُها، وقد رأيتُني أسجُدُ من صُبْحتِها في ماءٍ وطِين، فالتَمِسُوها في العَشْرِ الأواخر، والتَمِسُوها في كلِّ وِتْر".

قال أبو سعيد: فأمْطرَتِ السَّماءُ تلك الليلة، وكان المسجدُ على عَريش، فوَكَفَ المسجدُ. قال أبو سعيد: فأبْصَرَتْ عَينايَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصَرفَ وعلى جبْهَتِه وأنْفِه أثرُ الماءِ والطِّين من صَبيحةِ إحدى وعشرين.

قال أبو عُمر: في هذا الحديث، وهو من أصحِّ حديثٍ يُروَى في هذا الباب (٢)، دليلٌ على أنَّ الاعتكافَ في رمضانَ سُنّةٌ مَسْنونةٌ؛ لأنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكفُ في رَمَضانَ ويُواظبُ على ذلك، وما واظَبَ عليه فهو سُنّةٌ مسنونةٌ لأُمَّتِه، والدليلُ على أنه كان يعتكفُ في كلِّ رمضان قوله: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكفُ العَشرَ الوُسَطَ من رَمَضان، فاعْتكَفَ عامًا". ثم ساقَ القصَّة، وهذا يدُلُّ على أنه كان يعتكفُ كلَّ رمضان، واللهُ أعلم.

وأجمع علماءُ المسلمينَ على أنَّ الاعتكافَ ليس بواجب، وأنَّ فاعلَه محمودٌ عليه مأجورٌ فيه، وهكذا سبيلُ السُّنن كلِّها ليست بواجبةٍ فَرْضًا، ألَا ترى إلى إجماعِهم


(١) الموطّأ ١/ ٤٢٧ (٨٩٠).
(٢) وأخرجه البخاري (٢٠٢٧) عن إسماعيل بن أبي أُويس، عن مالك، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>