للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ ثامنَ عشَرَ لهشام بنِ عُروةَ

مالكٌ (١)، عن هشام بنِ عُروةَ، عن أبيه، أنه قال: قلتُ لعائشةَ أُمِّ المؤمنين -وأنا يومئذٍ حديثُ السِّنِّ-: أرأيتِ قولَ اللَّه عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨]، فما على الرَّجُلِ شيءٌ ألّا يطَّوّفَ بهما؟ قالت عائشة: كلّا، لو كان كما تقول، لكانت: فلا جُناحَ عليه ألا يطَّوّفَ بهما؛ إنّما أُنزِلَتْ هذه الآيةُ في الأنصار، كانوا يُهِلُّونَ لمَناة، وكانت مَناةُ حَذْوَ قُدَيد، وكانوا يتحَرَّجُونَ أن يطُوفُوا بينَ الصّفا والمَروة؛ فلمّا جاء الإسلامُ، سألوا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فأنزلَ عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}.

قال ابنُ وَهْب (٢): مَناةُ: حجَرٌ كان أهلُ الجاهلية يعبدونَه، وكان في المشَلَّل؛ الجبل الذي تَنحدِرُ منه إلى قُديد.

قال أبو عُمر: في هذا الحديثِ من قولِ عائشةَ دليلٌ على وجوبِ السّعْي بينَ الصفا والمروة في الحجِّ، وقد بيَّنتْ عائشةُ معنى نزولِ الآيةِ ومخرجَها، وجاءت بالعلم الصحيح في ذلك، وعلى قولها على وُجوبِ السَّعْي بينَ الصفا والمروة؛ مالكٌ والشافعيُّ وأصحابُهما. وبه قال أحمدُ، وإسحاقُ، وأبو ثور (٣). كلُّ هؤلاء يقول: إنّ السعيَ بينَ الصفا والمروةِ واجبٌ فرضًا، وعلى من نَسِيَه أو نَسيَ شوطًا


(١) الموطّأ ١/ ٥٠٠ (١٠٩٢).
(٢) كما في مسند الموطأ للجوهري، ص ٧٦٥، بإثر الحديث (٧٥٧).
(٣) ينظر: المدوّنة ١/ ٤٢٧، والأمّ للشافعي ٢/ ٢٣١، ومسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية لإسحاق بن منصور الكوسج ٥/ ٢١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>