للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصْلُ مذهبِ مالك، رحِمَه اللَّهُ، والذي عليه جماعةُ أصحابِنا المالكيِّين؛ أنَّ مُرْسَلَ الثِّقةِ تجبُ به الحُجَّة، ويلْزَمُ به العمل، كما يجبُ بالمُسْنَدِ سواء (١).

وأجمعَ أهلُ العِلم مِن أهْلِ الفقهِ والأثَرِ في جميع الأمْصارِ فيما علِمْت، على قَبُولِ خبرِ الواحِدِ العَدْل، وإيجابِ العَملِ به، إذا ثبتَ ولم يَنْسَخْه غيرُه مِن أثَرٍ أو إجْماع، على هذا جميعُ الفقهاءِ في كلِّ عصرٍ مِن لَدُن الصحابةِ إلى يومِنا هذا، إلَّا الخَوارجَ وطوائفَ مِن أهْلِ البِدَع، شِرْذِمَةٌ (٢) لا تُعَدُّ خِلافًا (٣).


(١) ليس الاحتجاج بمُرسَل الثقة مقصورًا على مالك وأصحابه كما هو ظاهر كلام المصنّف رحمه اللَّه، بل إن هذا منقولٌ عن جماعة من السلف المتقدِّمين على مالكٍ وأصحابه، ومنهم أهل الكوفة وغيرهم، قال أبو عبد اللَّه الحاكم في المدخل إلى كتاب الإكليل ص ٤٣ في سياق ذكره لأقسام الحديث المختلف في صحّتها، ومن بينها المرسل: "فهذه أحاديث صحيحة عند جماعة أهل الكوفة كإبراهيم بن يزيد النخعي، وحمّاد بن أبي سليمان، وأبي حنيفة النعمان بن ثابت، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، وأبي عبد اللَّه محمد بن الحسن الشيباني فمَن بعدهم من أئمّتهم محتجٌّ بها عند جماعتهم".
وقبل ذلك قال أبو داود السّجستاني في رسالته إلى أهل مكّة ص ٢٤: "وأمّا المراسيل فقد كان يحتجُّ بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعيّ حتى جاء الشافعيُّ فتكلّم فيها، وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره رضوان اللَّه عليهم".
بل قد نقل ابن الحاجب في مختصره كما في بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب لشمس الدين الأصفهاني ١/ ٧٦٨ إجماع التابعين على قبول المرسل، فقال: "لنا أن إرسال الأئمّة من التابعين، كان مشهورًا مقبولًا ولم ينكره أحد كابن المسيِّب، والنخعي، والشعبيِّ والحسن وغيرهم " قلنا: وهذا مردودٌ، على ما سيأتي توضيحه قريبًا، فلو اكتفى بالقول: إنهم كانوا يرسلون دون ذكر الإجماع لكان أحسن.
(٢) في ف ١: "وشرذمة".
(٣) منهم القاساني والجبائي وابن داود والرافضة وغيرهم من القدرية والمعتزلة، وانظر: إحكام الفصول للباجي (٣٤٣)، وشرح اللمع للشيرازي ٢/ ٥٨٧، والبرهان للجويني ١/ ٥٩٩ - ٦٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>