للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ عاشرٌ لربيعةَ مُنقَطِعٌ يتَّصل من وُجُوهٍ صِحاح

مالكٌ (١)، عن ربيعةَ بن أبي عبدِ الرَّحمن، أنَّه قال: قدِم على أبي بكرٍ الصديقِ مالٌ من البحرين، فقال: مَن كان له عندَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأْيٌ أو عِدَةٌ فلْيَأتني. فجاءَ جابرُ بنُ عبدِ الله، فحفَن له ثلاثَ حَفَناتٍ.

هذا الحديثُ يتَّصِلُ من وجوهٍ ثابتةٍ عن جابرٍ، رواه عنه جماعةٌ؛ منهم أبو جعفرٍ محمدُ بنُ عليٍّ، ومحمدُ بنُ المُنْكَدِر، وعبدُ الله بنُ محمدِ بنِ عَقيل، وأبو الزُّبيرِ، والشَّعْبيُّ. وسنذكُرُ وجوهَ هذا الحديثِ وطُرُقَه بعدَ الفراغِ من القولِ في معانِيه إن شاء اللهُ.

وفيه من الفقه: أنَّ العِدةَ واجبٌ الوفاءُ بها وجوبَ سُنَّةٍ وكرامةٍ، وذلك من أخلاقِ أهلِ الإيمان، وقد جاءَ في الأثر: "وَأْيُ المؤمنِ واجبٌ" (٢). أي: واجبٌ في أخلاقِ المؤمنين.

وإنَّما قلنا: إنَّ ذلك ليس بواجبٍ فرضًا؛ لإجماعِ الجميع على أنَّ من وُعِدَ بمالٍ ما كان، لَمْ يَضِربْ به مع الغُرماء، فلذلك قلنا: إيجابُ الوفاءِ به حَسَنٌ في المروءةِ، ولا يُقْضَى به. ولا أعلمُ خلافًا أنَّ ذلك مُسْتَحْسَنٌ، يستَحِقُّ صاحبُه الحمدَ والشكرَ على الوفاءِ به، ويستَحِقُّ على الخُلْفِ في ذلك الذَّمَّ، وقد أثنَى اللهُ عزَّ وجلَّ على من صدَق وعدَه، ووفَّى بنَذْرِه، وكفَى بهذا مَدْحًا، وبما خالَفَه ذَمًّا،


(١) الموطأ ١/ ٦٠٤ (١٣٥٥).
(٢) أخرجه أبو داود في المراسيل (٥٢٣) عن عبد الله بن وهب عن هشام بن سعد المزني عن زيد بن أسلم، أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "وأْيُ المؤمن حقٌّ واجبٌ"، وهو مرسل ضعيف، هشام بن سعد: هو المدنيّ، ضعيف كما في تحرير التقريب (٧٢٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>