للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ خامِسٌ لأبي الزِّنادِ

مالكٌ (١)، عن أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَج، عن أبي هريرة (٢)، أنَّ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قال اللَّهُ تبارَكَ وتَعالَى: إذا أحَبَّ عبدِي لقائِي، أحْبَبتُ لقاءَهُ، وإذا كرِهَ لقائِي، كَرِهتُ لقاءَهُ".

وهذا الحديثُ معناهُ -عِندَ أهلِ العِلم-: فيما يُعانِيهِ المرءُ عِندَ حُضُورِ أجْلِهِ، فإذا رَأى ما يَكْرَهُ، لم يُحِبَّ الخُرُوجَ من الدُّنيا، ولا لقاءَ اللَّه، لسُوءِ ما عاينَ مِمّا يَصِيرُ إلَيهِ، وإذا رَأى ما يُحِبُّ، أحبَّ لقاءَ اللَّه، والإسْراعَ إلى رحمتِهِ، لحُسنِ ما عاينَ وبُشِّر به، وليس حُبَّ الموتِ ولا كَراهِيتَهُ، والمرءُ في صِحَّتِهِ من هذا المعنى في شيءٍ، واللَّه أعلمُ.

وقال أبو عُبيد (٣) في معنى قولِهِ عليه السَّلامُ: "من أحبَّ لقاءَ اللَّه، أحبَّ اللَّهُ لقاءَهُ"، قال: ليس وجهُهُ عِندِي أن يكونَ يكرهُ عَلَزَ الموتِ (٤) وشِدَّتهُ؛ لأنَّ هذا لا يَكادُ يخلُو منهُ أحدٌ، نبِيٌّ ولا غيرُهُ، ولكنَّ المكرُوهَ من ذلك، إيثارُ الدُّنيا، والرُّكُونُ إليها، والكَراهةُ أن يصِيرَ إلى اللَّه والدّارِ الآخِرةِ، ويُؤثِرَ المُقامَ في الدُّنيا. قال: ومِمّا يُبيِّنُ ذلك، أنَّ اللَّهَ قد عابَ قومًا في كِتابه بحُبِّ الحياةِ، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} [يونس: ٧]، وقال: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة: ٩٦]، وقال: {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}


(١) الموطأ ١/ ٣٢٨ (٦٤٤).
(٢) قوله: "عن أبي هريرة" سقط من م.
(٣) غريب الحديث، له ٢/ ٢٠٢ - ٢٠٤.
(٤) عَلَز الموت، أي: قلقه وكربه. تاج العروس ١٥/ ٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>