للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ ثامِنَ عشَرَ لنافع، عن ابنِ عُمرَ

مالكٌ (١)، عن نافع، عن ابنِ عُمرَ، أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخيلُ في نَواصيها الخيرُ إلى يوم القِيامةِ".

في هذا الحديثِ الحضُّ على اكتِسابِ الخَيْلِ، وتَفْضيلُها على سائرِ الدَّوابِّ؛ لأنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - لم يأتِ عنهُ في غيرِها مِثلُ هذا القولِ، وذلك تَعْظيمٌ منهُ لشأنِها، وحَضٌّ على اكتِسابِها، ونَدْبٌ إلى ارتباطِها في سَبيلِ الله، عُدَّةً للِقاءِ العدُوِّ، إذ هي أقْوَى الآلاتِ في جِهاد، فهذه الخيلُ المُعدَّةُ للجِهادِ، هي الَّتي في نَواصيها الخيرُ.

وأمّا إذا كانت مُعدَّةً للفِتَنِ، وقَتْلِ المُسلِمين، وسَلْبِهِم، وتَفريقِ جَمْعِهِم، وتَشْريدِهِم عن أوطانِهِم، فتلكَ خيلُ الشَّيطانِ، وأربابُها حِزْبُهُ، وفي مِثلِها - واللّه أعلمُ - وردَ: أنَّ اكتِسابَها وِزرٌ على صاحِبِها؛ لأنَّهُ قد جاءَ عنهُ: أنَّها قد تكونُ وِزرًا لمن لم يَرْتبِطْها ويُجاهِدْ عليها، وكان قدِ اتَّخذها فَخرًا، ومُناوأةً للمُسلِمينَ، وأذًى لهم، وعَوْنًا عليهم. وقد مَضَى ذلك فيما سلَفَ من كِتابِنا (٢).

وإذا كان ذلك كذلك، فمعلُومٌ أنَّ ندبهُ إلى اكْتِسابِها من أجلِ جِهادِ العدُوِّ عليها، واللّه أعلمُ.

وقدِ استدلَّ جماعة من العُلماءِ بأنَّ الجِهادَ ماضٍ إلى يوم القيامَةِ تحت رايةِ كلِّ بَرٍّ وفاجِرٍ من الأئمَّةِ بهذا الحديثِ؛ لأنَّهُ قال فيه: "إلى يوم القيامةِ". ولا وَجْهَ لذلكَ إلّا الجِهادُ في سبيلِ الله، لأنَّهُ قد وردَ الذَّمُّ فيمنِ ارْتَبطها واحْتَبسَها رياءً وفَخْرًا،

* * *


(١) الموطأ ١/ ٦٠٠ (١٣٤١).
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٥٧١ - ٥٧٢ (١٢٨٥) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>