للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ ثاني ثلاثينَ لأبي الزِّنادِ

مالكٌ (١)، عن أبي الزِّنادِ، عنِ الأعرج، عن أبي هريرةَ، أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَثلُ المُجاهِدِ في سبِيلِ الله، كَمثلِ الصّائم القائم الدّائم، الذي لا يفتُرُ من صلاةٍ ولا صِيام، حتَّى يرجِعَ".

هذا من أفْضَلِ حديثٍ وأجلِّهِ في فضْلِ الجِهادِ؛ لأنَّهُ مثَّلهُ بالصَّلاةِ والصِّيام، وهُما أفضَلُ الأعمالِ.

وجعَلَ المُجاهِدَ بمَنزِلةِ من لا يفتُرُ عن ذلك ساعةً، فأيُّ شيءٍ أفضلُ من الجِهادِ، يكونُ صاحِبُهُ راكِبًا، وماشِيًا، وراقِدًا، ومُتلذِّذًا بكثِيرٍ من حَدِيثِ رفِيقِهِ، وأكلِهِ، وشُربه، وغيرِ ذلك مِمّا أُبِيحَ لهُ، وهُو في ذلك كلِّهِ كالمُصلِّي، التّالِي للقُرآنِ في صلاتِهِ، الصّائم مع ذلك المُجتهِدِ؟ إنَّ هذا لغاية في الفَضْلِ، وفَّقنا اللهُ برحمتِهِ.

ولهذا ومِثلِهِ قُلنا: إنَّ الفضائلَ لا تُدركُ بقِياسٍ ونَظرٍ، واللّه المُستعانُ، وحَسبُكَ من فضلِ الجِهادِ، بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: ١٠، ١١].

وفي هذا الحديثِ دليلٌ على إجازةِ القِياسِ بالتَّشبِيهِ والتَّمثِيلِ في الأحكام، وهذا بابٌ جسِيمٌ قد أفردنا لهُ أبوابًا في كِتابِ "العِلْم" (٢)، والحمدُ للّه.

وقد ذكَرْنا في كِتابِ "العِلْم" (٣) أيضًا أنَّ فرضَ الجِهادِ على الكِفالة، كطلَبِ العِلم، على حسَبِ ما قد أوْضَحناهُ هنالك (٤).


(١) الموطأ ١/ ٥٧١ (١٢٨٣).
(٢) انظر: جامع بيان العلم وفضله، ص ٣١٦ - ٣٤٠.
(٣) انظر: المصدر السابق، ص ٢٠ - ٢١.
(٤) في الأصل: "هناك"، والمثبت من د ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>