للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ ثالثٌ لربيعةَ بن أبي عبدِ الرَّحمن مسندٌ صحيحٌ

مالكٌ (١)، عن ربيعةَ بن أبي عبد الرَّحمن، عن القاسم بنِ محمَّدٍ، عن عائشةَ أمِّ المؤمنين، قالت: كانت في بَرِيرةَ ثلاثُ سُنَنٍ، فكانت إحدَى السُّننِ الثلاث: أنَّها أُعتقَتْ فخُيِّرتْ في زَوجِها، وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوَلاءُ لِمَن أعتَق". ودخَل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والبُرْمَةُ تَفُورُ بلحمٍ، فقُرِّبَ إليه خُبزٌ وأُدُمٌ من أدُمِ البيتِ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألمْ أرَ بُرْمةً فيها لحم؟ ". فقيل: بلى يا رسولَ الله، ولكنَّ ذلك لحمٌ تُصُدِّق به على بَريرةَ، وأنت لا تأكُلُ الصَّدقةَ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هو عليها صَدَقَةٌ، وهو لنا هدِيَّةٌ".

قال أبو عمر: قد أكثرَ الناسُ في تَشْقِيقِ معاني الأحاديث المروِيَّة في قصةِ بَريرَةَ، وتَفْتِيقِها، وتَخريج وُجوهِها؛ فلمحمدِ بن جريرٍ في ذلك كتابٌ، ولمحمَّدِ بن خُزيمةَ في ذلك كتاب، ولجماعةٍ في ذلك أبوابٌ، أكثرُ ذلك تكلُّفٌ واستنباطٌ، واستخراجٌ مُحتَمِلٌ، وتأويلٌ مُمكِنٌ، لا يُقطعُ بصحَّتِه، ولا يُستَغْنَى عن الاستدلالِ عليه. والذي قَصَدَتْهُ عائشةُ رضي الله عنها في هذا الحديث هو عِظَمُ الأمرِ في قصةِ بريرةَ؛ لأنَّ ذلك أصولُ أحكامٍ وأركانٍ من الحلالِ والحرام، وأنا أُورِدُ في تلك المعاني من البيانِ ما يقفُ النَّاظرَ به على بُلوغ المرادِ منها، وبالله التوفيقُ. وقد تقَصَّينا القولَ فيما تُوجِبُه ألفاظُ حديثِ بريرةَ من الأحكام والمعاني في بابِ هشام بن عروةَ من هذا الكتاب (٢)، والحمدُ لله.


(١) الموطّأ ٢/ ٧١ (١٦٢٥).
وأخرجه البخاري (٥٠٩٧) عن عبد الله بن يوسف التِّنيسي، وبرقم (٥٢٧٩) عن إسماعيل بن عبد الله، كلاهما عن مالكٍ به. وأخرجه مسلم (١٥٠٤) (١٤) من طريق عبد الله بن وهب المصري عن مالك، به. وسيأتي مزيد تخريج له في أثناء هذا الشرح.
(٢) هو في الموطأ ٢/ ٣٣٤ (٢٢٦٥)، وهو الحديث الثالث والعشرون لهشام بن عروة، وسيأتي تمام تخريجه ومزيد كلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>