للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ رابعٌ لأبي الزِّنادِ

مالكٌ (١)، عن أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَج، عن أبي هريرةَ، أنَّ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إيّاكُم والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحديثِ، ولا تجسَّسُوا، ولا تحسَّسُوا، ولا تَنافسُوا، ولا تَحاسدُوا، ولا تَباغضُوا، ولا تَدابرُوا، وكُونوا عِبادَ اللَّه إخوانًا".

قال أبو عُمر: احتجَّ قومٌ من الشّافِعِيَّةِ بهذا الحديثِ ومِثلِهِ في إبطالِ الذَّرائِع في البُيُوع، فقالوا: قال اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: ٣٦]. وقال رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إيّاكُم والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكذبُ الحديثِ". وقال: "إنَّ اللَّهَ حرَّمَ من المُؤمِنِ دَمَهُ، وعِرْضَهُ، ومالَهُ، وألّا يُظنَّ به إلّا الخيرُ" (٢). وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا ظَنَنتُم، فلا تُحقِّقُوا" (٣).

قالوا: وأحكامُ اللَّه عزَّ وجلَّ على الحَقائِقِ، لا على الظُّنُونِ، فأبْطَلوا القولَ بالذَّرائِع في الأحْكام من البُيُوع وغيرِها، فقالوا: غيرُ جائِزٍ أن ويُقال: إنَّما أردتُ بهذا البيع كذا، بخِلافِ ظاهِرِهِ، وصارَ هذا كأنَّهُ كذا، ويدخُلُهُ كذا، لما يُنكِرُ فاعِلُهُ أنَّهُ أرادهُ.

وللقولِ عليهم مَوْضِعٌ غيرُ هذا من جِهَةِ النَّظرِ.

رَوَى أشهبُ، عن نافِع بنِ عُمرَ الجُمحِيِّ، عنِ ابنِ أبي مُلَيكةَ، أنَّ عُمرَ بن الخطّابِ قال: لا يحِلُّ لامرِئٍ مُسلِم سمِعَ من أخِيهِ كلِمةً، أن يظُنَّ بها سُوءًا، وهُو يجِدُ لها في شَيءٍ من الخَيْرِ مَصْدرًا (٤).


(١) الموطأ ٢/ ٤٩٤ (٢٦٤٠).
(٢) سلف في شرح الحديث الثالث لابن شهاب، عن الأعرج، وهو في الموطأ ٢/ ٢٩٠ (٢١٧٢). وانظر تخريجه هناك.
(٣) سلف في شرح الحديث الأول لابن شهاب، عن أنس، وهو في الموطأ ٢/ ٢٩٣ (٢٦٣٩). وانظر تخريجه هناك.
(٤) انظر: ترتيب المدارك للقاضي عياض ٤/ ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>