للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حديثٌ أوّلُ لإسماعيلَ بن أبي حَكيم، مسنَدٌ

مالكٌ (١)، عن إسماعيلَ بنِ أبي حكيم، عن عَبيدةَ بنِ سُفيانَ الحَضرميِّ، عن أبي هريرة، أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أكلُ كلِّ ذي نابٍ من السِّباع حرامٌ".

عَبيدةُ بنُ سُفيانُ هذا من تابعي أهلِ المدينة، ثِقَةٌ حُجَّةٌ فيما نقَل، سمِع من أبي هريرةَ وأبي الجَعْدِ الضَّمْرِيِّ، روَى عنه محمدُ بنُ عمرٍو، وبُكيرُ بنُ الأشجِّ، وإسماعيلُ بنُ أبي حكيم (٢).

وهذا حديثٌ ثابتٌ صحيحٌ مجتمعٌ على صِحَّته (٣).

وفيه من الفقه: أنَّ النهيَ عن أكلِ كلِّ ذي نابٍ من السِّباع نهيُ تحريم، لا نهيُ أدبٍ وإرشاد، ولو لم يأتِ هذا اللفظُ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لكان الواجبُ في النظرِ أن يكونَ نَهْيُه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أكلِ كلِّ ذي نابٍ من السِّباع نَهْيَ تحريم، فكيف وقد جاء مُفسَّرًا في هذا الخبر؛ لأنَّ النَّهْيَ حقيقتُه الإبعادُ والزجرُ والانتهاءُ، وهذا غايةُ التحريم؛ لأنَّ التحريمَ في كلام العرب الحرمانُ والمنع، قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص: ١٢]؛ أي: حرَمناه رَضاعَهُنَّ ومنَعناه منهنَّ، ولم يكنْ ممّن تَجري عليه عبادةٌ في ذلك الوقت؛ لطفولتِه، والنَّهيُ يقتضي معنَى المنع كلِّه. وتقولُ العرب: حرَّمْتُ عليك دُخولَ داري؛ أي: منعتُكَ من ذلك. وهذا القولُ عندَهم في معنى: لا تَدخُلِ الدار. كلُّ ذلك منعٌ وتحريم، ونهيٌ وحرمانٌ.


(١) الموطّأ ١/ ٦٤١ (١٤٣٤).
(٢) ينظر: التاريخ الكبير للبخاري ٦/ ٨٢ (١٧٧٨)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٦/ ٩١ (٤٦٦)، وتهذيب الكمال ١٩/ ٢٦٤.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ١٢/ ١٦١ (٧٢٢٥)، ومسلم (١٩٣٣) (١٥) كلاهما من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>