للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثٌ ثالِثٌ لأبي طُوالةَ مُرسلٌ، يتَّصِلُ من وُجُوهٍ صِحاح حِسانٍ

مالكٌ (١)، عن عبدِ اللَّه بن عبدِ الرَّحمنِ بن مَعْمرٍ الأنصاريِّ، عن عَطاءِ بن يَسارٍ، أنَّهُ قال: قال رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا أُخبِرُكُم بخَيرِ النّاسِ مَنْزِلًا؟ رجُلٌ آخِذٌ بعِنانِ فرَسِهِ يُجاهِدُ في سَبيلِ اللَّه، ألا أُخبِرُكُم بخَيرِ النّاسِ مَنْزِلةً بَعدَهُ؟ رَجُلٌ مُعتزِلٌ في غُنَيمةٍ لهُ، يُقيمُ الصَّلاةَ، ويُؤتي الزَّكاةَ، ويَعبُدُ اللَّهَ لا يُشرِكُ به شَيئًا".

هذا حَدِيثٌ مُرْسلٌ من رِوايةِ مالكٍ، لا خِلافَ عنهُ فيه (٢).

وقد يتَصِلُ من وُجُوهٍ ثابتةٍ عنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، من حديثِ عَطاءِ بن يسارٍ وغيرهِ، وسَنذكُرُ ذلك في آخِرِ البابِ إن شاءَ اللَّه.

وهُو من أحْسَنِ حديثٍ يُرْوَى في فضْلِ الجِهادِ، وفي الجِهادِ من الفَضائلِ على لسانِ رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما لا يَكادُ يُحْصَى، قد مَرَّ منها كَثْيرٌ في كِتابِنا هذا، وليسَ هذا على شَرْطِنا، مَوْضِعَ ذِكْرِها.

وأمّا قولُهُ: "خَيْرُ النّاسِ بعدهُ، رجُلٌ مُعْتزِلٌ في غُنَيمةٍ لهُ". ففي ذلك حَضٌّ على الانْفِرادِ عنِ النّاسِ واعْتِزالِهِم، والفِرارِ عنهُم.

ولستُ أدْرِي في هذا الكِتابِ مَوْضِعًا أولى بذِكْرِ العُزْلةِ وفَضْلِها، من هذا الموضِع، وقد فضَّلها رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كما تَرى، وفضَّلها جَماعةُ العُلماءِ والحُكماءِ، لا سيَّما في زَمَنِ الفِتَنِ، وفَسادِ النّاسِ، وقد يكونُ الاعْتِزالُ عنِ النّاسِ، مَرّةً في الجِبالِ والشِّعابِ، ومرّةً في السَّواحِلِ والرِّباطِ، ومرّةً في البُيُوتِ.


(١) الموطأ ١/ ٥٧٣ (١٢٨٦).
(٢) رواه عن مالك: أبو مصعب الزهري (٩٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>