للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابنِ عبّاسٍ - في قولِه: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} - قال: كان الرَّجُلُ إذا دَعا في الصَّلاةِ، رفَعَ صوتهُ، فنزلَتْ هذه الآيةُ.

وكلُّ من رُوِي عنهُ أنَّها نزلت في القِراءةِ، فقد رُوِي عنهُ أنَّها نزلَتْ في الدُّعاءِ.

قال أبو عُمر: هذا الحديثُ من أفْضَلِ ما يُروى في فَضلِ المُنتظِرِ للصَّلاةِ؛ لأنَّ الملائكةَ تَسْتغفِرُ لهُ، وفي استِغفارِها لهُ، دليلٌ على أنَّهُ يُغفرُ لهُ إن شاءَ الله، ألا تَرَى أنَّ طلبَ العِلْم من أفْضَلِ الأعمالِ، وإنَّما صار كذلك، واللّهُ أعلمُ، لأنَّ الملائكةَ تَضَعُ أجنِحتها لهُ بالدُّعاءِ والاستِغفارِ.

وأمّا قولُ مالكٍ وتفسِيرُهُ: "ما لم يُحدِث" بأنَّهُ الحَدَثُ الذي ينقُضُ الوُضُوءَ. فقد خالَفهُ فيه غيرُهُ، وقال: هُو الكلامُ القَبِيحُ، والخوضُ فيما لا يصلُحُ من اللَّهوِ.

والذي قالهُ مالكٌ هُو الصَّوابُ إن شاءَ الله؛ لأنَّ كلَّ من أحدَثَ وقعَدَ في المسجدِ، فليسَ بمُنتظِرٍ للصَّلاةِ، لأنَّهُ إنَّما يَنْتظِرُها من كان على وُضُوءٍ، وغيرُ نَكِيرٍ أن تترحَّمَ الملائكةُ على كلِّ مُنتظِرٍ للصَّلاةِ، وتدعُو لهُ بالمغفِرةِ والرَّحمةِ والتَّوفِيقِ والهِدايةِ، لفضلِ انتِظارِهِ للصَّلاةِ، إذا لم يحبِسْهُ غيرُها، على ما ذكَرْنا، إذا كان مُنتظِرًا للصَّلاةِ، لا يَمْنعُهُ أن ينصرِفَ إلى أهلِهِ إلّا الصَّلاةُ، وهذا أوْلَى بأن تَدْعُو لهُ الملائكةُ بالمغفِرةِ والرَّحمةِ، فرَحْمتُهُ وسِعَتْ كلَّ مؤمنٍ به (١)، لا شرِيكَ لهُ.

وقولُ مالكٍ يدُلُّ على أنَّ كلَّ من لم يُحدِث حَدَثًا ينقُضُ الوُضُوءَ، داخِلٌ في معنى هذا الحديثِ، وإن خاضَ في بعضِ ما يُخاضُ فيه من أخبارِ الدُّنيا، واللّهُ أعلمُ، إذا كان أصلُ عَقْدِهِ انتِظارَ الصَّلاةِ بعد الصَّلاةِ.


(١) في نسخ الإبرازة الأولى، م: "كل شيء".

<<  <  ج: ص:  >  >>