للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلُّ حاملِ علم مَعروفِ العنايةِ به، فهو عدلٌ محمولٌ في أمرِه أبدًا على العدالة، حتى تَتبيَّنَ جُرْحَتُه في حالِه، أو في كثرةِ غلطِه؛ لقولِه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَحمِلُ هذا العلْمَ من كلِّ خلَفٍ عُدُولُه". وسنَذكُرُ هذا الخبرَ بطُرُقِه في آخرِ هذا البابِ إن شاء اللَّه (١).


= ويدلُّ على ذلك قولُ السخاويِّ في فتح المغيث ١/ ٢٢٥ بعد أن نقل هذا التعريف الذي ذكره المصنِّف هنا بعد أن عزاه إليه: "وسبَقَه لذلك يعقوب بن شيبة كما حكاه الخطيب عنه، وهو مع قوله في موضع آخر: إنه إذا وقع فيمَن لم يلْقَهُ أقبَحُ وأسمجُ، يقتضي أنّ الإرسالَ أشدُّ، بخلاف قوله الأول، فهو مُشعِر بأنه أخفُّ، فكأنه هنا على الخفِيّ لِمَا فيه من إيهام اللُّقِيِّ والسماع معًا، وهناك على الجلِيِّ لعدم الالتباس".
(١) سيأتي بإسناد المصنف من وُجوه عديدة مع تخريجه.
وقد تحفّظ على ما ذهب إليه المصنِّف هنا ابنُ الصّلاح من اختياره هذا، وفي استدلاله بهذا الحديث، قال في مقدّمته ص ١٠٥ - ١٠٦: "وتوسّع ابن عبد البرِّ الحافظ في هذا فقال: وكل حامل علم معروف العناية به فهو عدْلٌ، محمولٌ في أمره أبدًا على العدالة حتى يتبيّن جرحُه؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: يحملُ هذا العلم من كلِّ خلَفٍ عدوله؛ وفيما قاله اتساع غير مرضيٍّ".
وقد كشف زين الدين العراقي عن وجه عدم رضى ابن الصلاح فيما ذهب إليه المصنِّف فقال في شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٣٣٤ - ٣٣٥: "وأما استدلاله -يعني ابن عبد البر- بهذا الحديث فلا يصحُّ من وجهين: أحدهما إرساله وضعفُه. والثاني: أنه إنما يصحُّ الاستدلال به أن لو كان خبرًا، ولا يصحُّ حملُه على الخبر لوجود من يحملُ العلمَ وهو غير عدْل، وغير ثقة، فلم يبْقَ له محمل إلا على الأمر. ومعناه أنه أمرَ الثقات بحمل العلم، لأن العلمَ إنما يُقبل عن الثقات. والدليل على أنه للأمر: أن في بعض طرق أبي حاتم: ليَحْمِلْ هذا العلم". بلام الأمر.
قلنا: والذي لم يرضَهُ ابن الصلاح ارتضاه الكثيرون من المحققين من أهل الحديث ذكر منهم السخاوي في فتح المغيث ٢/ ٢٠، قال: "ونحوُه قولُ ابن الموّاق من المتأخِّرين: أهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك. وقال ابن الجزري: إنّ ما ذهب إليه ابن عبد البرّ هو الصواب وإن ردّه بعضُهم، وسبَقَه المزّي؛ فقال: هو في زماننا مرضيٌّ، بل يتعيّنُ، ونحوه قول ابن سيّد الناس: لست أراه إلّا مرضيًّا، وكذا قال الذهبيُّ: إنه حقٌّ، قال: ولا يدخل في ذلك المستور، فإنه غير مشهور بالعناية بالعلم، فكلُّ من اشتهر بين الحفّاظ بأنه =

<<  <  ج: ص:  >  >>