هنا يظهر أن الموقوف هو الصحيح، وأن تحسين محققي مسند أحمد للمرفوع خطأ محض، لأنَّ ما استدلوا به من حديث أبي سعيد الخدري كشاهد، هو علة اضطراب هذا الحديث.
واستشهد المؤلف بحديث وكيع وغيره، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عُروة، عن عائشة، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قبَّل امرأةً من نسائه، ثم خرَج إلى الصلاةِ ولم يَتوضَّأ. قال: قلت: مَن هي إلَّا أنت؟! فضحِكَت. (١٣/ ٣٦٧)
أخرجه أحمد في المسند ٤٢/ ٤٢ (٢٥٧٦٥)، وأبو داود (١٧٩)، والترمذي (٨٦)، وابن ماجة (٥٠٢) من طريق وكيع بن الجرّاح، به.
قد طعن العلماء الجهابذة في صحة هذا الحديث، بسبب الانقطاع في إسناده، وأنَّ حديث عروة عن عائشة في هذا إنما روي بمتنٍ آخر، كما سيأتي بيانه، وقد قال الترمذي: سمعتُ أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي ابن المديني، قال: ضعَّف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث، وقال: هو شبه لا شيء.
وسمعتُ محمد بن إسماعيل يُضعِّف هذا الحديث، وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عُروة.
وقد رُويَ عن إبراهيم التَّيمي، عن عائشة، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قبَّلها، ولم يتوضأ، وهذا لا يصحُّ أيضًا، ولا نعرفُ لإبراهيم التَّيمي سماعًا من عائشة، وليس يصحُّ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الباب شيءٌ.
أخرجه أبو داود (١٨٠) قال: حدثنا إبراهيم بن مخَلَد الطّالقاني، قال: حدثنا عبد الرحمن، يعني: ابن مغراء، قال: حدثنا الأعمش، قال: حدثنا أصحاب لنا، عن عروة المُزني، عن عائشة، بهذا الحديث.
قال أبو داود: قال يحيى بن سعيد القطّان لرجل: احْكِ عني، أنَّ هذين، يعني: حديث الأعمش هذا، عن حبيب، وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة، قال يحيى: احْكِ عني أنهما شبه لا شيء.