ذلك، وكلُّهم ذكَر اضْطِجاعَه بعدَ ركعتَي الفجرِ في هذا الحديثِ. وزعَم محمدُ بنُ يحيَى وغيرُه أنَّ ما ذكَروا مِن ذلك هو الصَّوابُ دونَ ما قالَه مالكٌ.
قال المؤلف: لا يدفعُ ما قالَه مالكٌ مِن ذلك، لحفظِه وإتقانِه وثبوتِه في ابنِ شِهابٍ وعِلْمِه بحديثه. (٥/ ٤٢٢).
فتعقبناه بقولنا: إن الذين خالفوا مالكًا في لفظه جماعةٌ، ذكر منهم الدارقطني في الأحاديث التي خُولف فيها مالك، ص ٦٦، قال:"خالفَه في لفظه جماعةٌ، منهم عُقيل ويونس وشُعيب بن أبي حمزة وابنُ أبي ذئب والأوزاعيُّ وغيرُهم،. . . ذكروا أنه كان يركعهما قبل الاضطجاع على شِقِّه الأيمنِ، وقبل إتيان المؤذِّن، وزادوا في الحديث ألفاظًا لم يأت بها".
قلت: واجتماع أصحاب الزُّهريّ على قولهم: إنّ الاضطجاع كان بعد الفجر هو المحفوظ كما نصَّ عليه الحفّاظ، فقد نقل ابن القيِّم في زاد المعاد ١/ ٣١٠ عن الخطيب البغدادي قوله:"فذكر مالكٌ أن اضطجاعه كان قبل ركعتي الفجر، وفي حديث الجماعة أنه اضطجع بعدهما، فحَكَم العلماءُ أن مالكًا أخطأ وأصاب غيرُه" وعلى هذا جاء قول البيهقيِّ في الكبرى بإثر رواية مالك ٣/ ٤٤ (٥٥٨٢) فقال بعد أن عزاها لمسلم عن يحيى بن يحيى: "كذا قاله مالكٌ، والعددُ أوْلى بالحفظ من الواحد" وقال - بإثر إخراجه لحديث أبي هريرة ٣/ ٤٥ (٥٠٨٠): إنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يفصِل بين ركعتيهِ من الفجر، وبين الصُّبح بضَجْعةٍ على شِقِّه الأيمنِ:"وهذا أوْلى أن يكون محفوظًا لموافقتِه سائر الروايات عن عائشة وابن عباس". وقد تابعه على هذا القول الحافظ ابن حجر، فقال في الفتح ٣/ ٤٤ بعد أن ذكر رواية مالكٍ:"فقد خالفه أصحاب الزُّهريّ عن عروة؛ فذكروا الاضطجاع بعد الفجر، وهو المحفوظ".
قلت: فيتبيَّن من ذلك أنَّ رواية مالكٍ بالنسبة لحديث ابن شهاب شاذّة، واللَّه أعلم. وإن كان بعضهم حاول الجمع بين روايتي الاضطجاع قبل ركعتي الفجر وبين رواية الاضطجاع بعدها لإمكان فعل الأمرين، كالنَّوويِّ في شرحه لمسلم