هكذا حُدِّثنا به في "موطّأ أبي مُصعب" عنه مُرْسلًا. وكذلك هو عندَ أكثرِ رواةِ أبي المُصْعَب عنه في "الموطّأ" مُرْسَل. وذكرَ أحمدُ بنُ خالدٍ أنَّ يحيى بنَ يحيى روَى هذا الحديثَ عن مالك، عن داودَ بنِ الحُصَيْن، عن الأعْرَج، عن أبي هريرة، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجمعُ بينَ الظُّهرِ والعَصْرِ في سَفَرِه إلى تَبوك، مُسنَدًا. قال: وأصحابُ مالكٍ جميعًا على إرْسالِه. كذا قال أحمدُ بنُ خالدٍ عن يحيى، وأما نحن فلم نجدْه عندَ جماعةِ شيوخِنا إلَّا مرسلًا عن الأعْرَج في نُسخَةِ يحيى وروايته، وقد يُمكِنُ أن يكونَ ابنُ وضّاح طرَحَ أبا هُريرةَ من روايته عن يحيى؛ لأنّه رأى ابنَ القاسم وغيرَه ممّن انتَهتْ إليه روايتُه عن مالكٍ في "الموطأ" قد أرسَلَ الحديث، فظنَّ أنَّ روايةَ يحيى غَلطٌ لم يُتابعْ عليه، فرَمى أبا هريرةَ وأرسلَ الحديث، فإنْ كان فعلَ هذا ففيه ما لا يَخْفى على ذي لُبٍّ وقد كان له على يحيى تَسوُّرٌ في "الموطّأ"، غلَّطه فيه في مواضعَ غلطَ هو عليه في بعضها، فيُمكنُ أن يكونَ هذا من ذلك إنْ صحَّ أنَّ روايةَ يحيى لهذا الحديث على الإسنادِ والاتِّصال، وإلّا فقولُ أحمدَ بنِ خالدٍ وَهْمٌ منه. وما أدْرِي كيفَ هذا؟ لأنَّ روايتَنا لهذا الحديثِ في "الموطأ" عن يحيى مُرْسلًا، فإن كان يحيى قد أسندَه كما ذكَرَه أحمدُ بنُ خالد؛ فقد تابعَه محمدُ بنُ المباركِ الصوريُّ، وأبو المُصعَب في غير "الموطأ"(١)، والحُنَينيُّ، ومحمدُ بنُ خالدٍ ابنُ عَثْمَة، وإسماعيلُ بنُ داودَ المِخْراقيُّ، ومَن ذكَرْنا معهم. وقد تأمَّلتُ روايةَ يحيى فيما أرسَلَ من الحديثِ ووصلَ في "الموطّأ"، فرأيتُها أشَدَّ مُوافقةً لروايةِ أبي المُصعَبِ في "الموطأ" كلِّه من غيرِه، وما رأيتُ في روايةٍ في "الموطأ" أكثرَ اتفاقًا منها.
(١) وقال الجوهريُّ في مسند الموطأ بإثر رواية أبي مصعب المتَّصلة (٣٢٦) الآتي تخريجها قريبًا: "هذا حديثٌ مرسلٌ في الموطّأ، لا أعلم أحدًا أسنده، فقال فيه: عن أبي هريرة غيرَ محمدِ بن المبارك الصُّوريُّ، والله أعلمُ".