ثم قال: وأما سهلُ بنُ حُنيف، فلا يَشُكُّ عالمٌ بأن عُبيدَ اللَّه بنَ عبدِ اللَّه لم يَرَه، ولا لقِيه، ولا سمِع منه، وذِكْرُه في هذا الحديث خطأٌ لا شكَّ فيه؛ لأنَّ سهلَ بنَ حُنيف توفِّي سنةَ ثمانٍ وثلاثين، وصلَّى عليه عليٌّ، رضي اللَّه عنه، ولا يُدْرِكُه في الأغلب عُبيدُ اللَّه بنُ عبدِ اللَّه؛ لصغَر سنِّه يومئذٍ، والصوابُ في ذلك، واللَّهُ أعلم، عثمانُ بنُ حُنيف، لا سهلُ بنُ حُنيف.
وكذلك رواه محمدُ بنُ إسحاق، عن أبي النضر سالم، عن عُبيدِ اللَّه بنِ عبدِ اللَّه، قال: انصرفتُ مع عثمانَ بنِ حُنيفٍ إلى أبي طلحةَ نعودُه، فوجَدنا تحتَه نَمَطًا. وساق الحديثَ بمعنى حديثِ مالك، عن أبي النَّضر.
فصحَّ بهذا وَهمُ مالكٍ في سهلِ بنِ حُنيف. وكذلك وَهَمَ أبو النَّضْر في روايتِه له عن عُبيدِ اللَّه بنِ عبدِ اللَّه، عن أبي طلحةَ، ولم يُدخِلْ بينَهما ابنَ عباس. والصحيحُ في هذا الحديث روايةُ الزهريِّ له عن عُبيدِ اللَّه بنِ عبدِ اللَّه، عن ابن عباس، عن أبي طلحةَ. كذا قال عليُّ بنُ المدينيِّ وغيرُه، وهو عندي كما قالوه، واللَّهُ أعلم. (١٣/ ٣٩٤).
وذكرنا في تعليقنا أن الحافظ ابن حجر قال في "الفتح" عقيب حديث للزهري، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس، عن أبي طلحة في التصاوير (٥٩٤٩) بعد ذكره لحديث مالك هذا: "فلعل عبيد اللَّه سمعه من ابن عباس، عن أبي طلحة، ثم لقي أبا طلحة لما دخل يعوده، فسمعه منه، ويؤيد ذلك زيادة القصة في رواية أبي النضر، لكن قال ابن عبد البر: الحديث لعبيد اللَّه، عن ابن عباس، عن أبي طلحة، فإن عبيد اللَّه لم يدرك أبا طلحة (كذا) ولا سهل بن حنيف. كذا قال، وكأن مستنده في ذلك أنَّ سهل بن حنيف مات في خلافة علي وعبيد اللَّه لم يدرك عليًا، بل قال علي بن المديني: إنه لم يدرك زيد بن ثابت ولا رآه، وزيد مات بعد سهل بن حنيف بمدة، ولكن روى الحديث المذكور محمد بن إسحاق، عن أبي النضر، فذكر القصة لعثمان بن حنيف لا لسهل، أخرجه الطبراني، وعثمان تأخر بعد سهل بمدة وكذلك أبو طلحة، فلا يبعد أن يكون عبيد اللَّه أدركهما".