للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن أحوِّلَها، ثم إنِّي ذكَرتُ قولَه فترَكتُها، ثم إنِّي آذَنتُ القِسِّيسينَ والرُّهبانَ به فحضَرُوه، فقلتُ لهم: إنَّه قد ترَك مالًا. فقام شبابٌ مِن القرية، فقالوا: هذا مالُ أبينا. فأخَذوه، قال: فقلتُ للرُّهبان: أخبِروني برجلٍ عالمٍ أتَّبِعْه. فقالوا: ما نَعلَمُ في الأرض رجلًا أعلمَ من رجل بحِمصَ. فانطلَقتُ إليه فلَقِيتُه، فقصَصتُ عليه القصَّةَ، قال: وما جاء بك إلّا طلبُ العلم؟ قلتُ: ما كان إلّا طلبُ العلم. فقال: إنِّي لا أعلمُ اليومَ في الأرضِ أحدًا أعلمَ من رجلٍ يأتي بيتَ المقدسِ كلَّ سنةٍ، إنِ انطلَقتَ الآنَ وافَقتَ حمارَه. فانطلَقتُ، فإذا أنا بحمارِه على بابِ بيتِ المقدس، فجلَستُ عندَه وانطلَق، فلم أرَه حتى الحَوْلِ، فجاءَ فقلتُ: يا عبدَ الله: ما صنَعتَ بي؟ قال: وإنّك لهاهنا؟ قلتُ: نعم. قال: فإنِّي واللّه ما أعلمُ اليومَ رجلًا أعلمَ من رجلٍ خرَج بأرضِ تَيْماءَ (١)، وإن تَنْطَلِقِ الآنَ تُوافِقْه، وفيه ثلاثُ آياتٍ، يأكُلُ الهديَّةَ، ولا يأكُلُ الصَّدَقةَ، وعندَ غُرْضُوفِ (٢) كَتِفِه اليُمنَى خاتَمُ النُّبوةِ، مثلُ بَيضَةِ الحمامة، لونُها لونُ جِلدِه.

قال: فانطلَقتُ تَرفَعُني أرضٌ وتَخفِضُني أُخرَى، حتى مرَرتُ بقومٍ من الأعراب فاستَعبَدوني، فباعوني حتى اشتَرَتني امرأةٌ بالمدينة، فسَمِعتُهم يَذكُرون النبيَّ عليه السّلامُ، وكان العيشُ عَزيزًا، فقلتُ لها: هبي لي يومًا. فقالت. نعم. فانطلَقتُ فاحتَطَبتُ حطبًا فبِعتُه، فأتيتُ به النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - - وكان يَسيرًا - فوضَعتُه بينَ يَدَيه، فقال: "ما هذا؟ ". قلتُ: صدَقةٌ. فقال لأصحابه: "كُلُوا". ولم يَأكُلْ، قلتُ: هذه من علامتِه.

ثم مكَثتُ ما شاءَ اللهُ أن أَمكُثَ، ثم قلتُ لمولاتي: هَبي لي يومًا. فقالت: نعم. فانطلَقتُ فاحتَطَبتُ حَطبًا، فبِعتُه بأكثرَ من ذلك، وصنَعتُ طعامًا، فأتَيتُ


(١) تيماء: بلدة في بادية تبوك. (اللباب في تهذيب الأسماء لابن الأثير ١/ ٢٣١، ٢٣٢).
(٢) الغضروف: كلُّ عظمٍ ليِّنٍ في أي موضعٍ كان. اللسان (غضرف).

<<  <  ج: ص:  >  >>