رجاء عن كاتب المغيرة، ولم يذكر المغيرة. قال أحمد: وقد كان نعيم بن حماد حدثني به عن ابن المبارك كما حدثني الوليد بن مسلم به عن ثور، فقلت له: إنما يقول هذا الوليد، فأما ابن المبارك فيقول: حُدّثت عن رجاء، ولا يذكر المغيرة، فقال لي نعيم: هذا حديثي الذي أسأل عنه. فأخرج إليَّ كتابه القديم بخطٍ عتيق، فإذا فيه ملحق بين السطرين بخطٍ ليس بالقديم عن المغيرة، فأوقفته عليه وأخبرته أنَّ هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها، فجعل يقول للناس بعد، وأنا أسمع: اضربوا على هذا الحديث". ومثل ذلك قال الدارقطني.
وقال العلامة أحمد شاكر رحمه اللَّه متعقبًا هذا الكلام: "فكلام أحمد وأبي داود والدارقطني يدلُّ على أنَّ العلة أنَّ ثورًا لم يسمعه من رجاء، وهو ينافي ما نقله المصنف هنا عن البخاري وأبي زرعة أنَّ العلة أنَّ رجاءً لم يسمعه من كاتب المغيرة، وأنا أظن أنَّ الترمذي نسي فأخطأ فيما نقله عن البخاري وأبي زرعة، وهذه العلة التي أعل بها الحديث ليست عندي بشيء". واستدل على ذلك بأنَّ الوليد بن مسلم كان ثقة حافظًا متقنًا فإن خالفه ابن المبارك في هذه الرواية فإنما زاد أحدهما عن الآخر وزيادة الثقة مقبولة، وبأنَّ الدارقطني والبيهقي روياه من طريق داود بن رُشيد -وهو ثقة- عن الوليد، عن ثور: حدثنا رجاء بن حيوة، فثور صرح بالسماع من رجاء، وبأن الشافعي رواه عن إبراهيم بن يحيى عن ثور كرواية الوليد بن ثور.
قلنا: وهذا كلام مردود لعدة أمور:
أولًا: أنَّ جهابذة أهل الحديث -أبو زرعة والبخاري وأحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني- قد حكموا بانقطاعه وإرساله معًا، ولا أدري كيف فهم الشيخ كلامهم على غير هذا، فحينما قال ابن المبارك: "حُدّثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يذكر فيه المغيرة". هو حكم واضح بانقطاعه وإرساله.
ثانيًا: أنَّ ابن المبارك أعلى وأغلى وأحفظ من الوليد بن مسلم وأكثر وثاقة منه، والوليد فيه كلام معروف في تدليسه وتساهله، فلا يمكن أن يتعادلا إذا اختلفا.