للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل العلم، ولو كان كما ظنَّ هذا القائلُ لكان دَسَمُ ما لم تمسَّه النارُ ووَدَكٌ (١) ما لم تمَسَّه النارُ لا يُتنظَّفُ منه، ولا تُغسَلُ منه اليدُ، وهذا لا يصحُّ عندَ ذي لُبٍّ، وتأويلُه هذا يدُلُّ على ضَعفِ نظرِه وقِلَّةِ علمِه بما جاءَ عن السلفِ في هذه المسألة، والله أعلمُ.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "توضَّئوا ممّا مسَّت النارُ" أمرٌ منه بالوضوءِ المعهودِ للصلاةِ لمَن أكَل طعامًا مسَّتْه النارُ، وذلك عندَ أكثرِ العلماءِ منسوخٌ بأكلِه - صلى الله عليه وسلم - طعامًا مسَّتْه النارُ، وصَلاتِه بعدَ ذلك دونَ أن يُحدِثَ وُضوءًا، فاستدلَّ العلماءُ بذلك على أن أمرَه بالوُضوء ممّا مسَّت النارُ منسوخٌ (٢).

وأشكَل ذلك على طائفةٍ كثيرةٍ من أهلِ العلم بالمدينةِ والبصرةِ، ولم يقِفوا على الناسخ في ذلك من المنسوخ، أو لم يَعرِفوا منه غيرَ الوجهِ الواحدِ، فكانوا يُوجِبونَ الوُضوءَ ممّا مسَّت النارُ، ويتوضَّئون من ذلك. وممن رُوِي عنه ذلك زيدُ بن ثابتٍ (٣)، وأبو موسى (٤)، وأبو هريرة (٥)،


(١) الوَدَك: الدَّسَمُ. والوَدَك من الشَّحْم واللَّحْم: ما يتحلَّب منه. (المغرب في ترتيب المعرب للمطرِّزي ١/ ٤٨٠).
(٢) ينظر: الأوسط لابن المنذر ١/ ٢١٣ - ٢٢٥، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ١/ ١٢٨، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ في الآثار للحازمي ١/ ٤٦ - ٥٠.
(٣) وحديثه أخرجه مسلم (٣٥١)، وأحمد في المسند ٢٥/ ٤٧٧ (٢١٥٩٨) و ٢٥/ ٥٠٤ (٢١٦٤٢).
(٤) أخرجه عنه أحمد في المسند ٣٢/ ٣٢٤ (١٩٥٥٢) عن هاشم بن القاسم، عن المبارك - وهو ابن فَضَالة - عن الحسن - وهو البصري - عن أبي موسى، فذكره مرفوعًا. وأخرجه الطبراني في الأوسط ٣/ ١٤٣ (٢٧٤٠) من طريق المبارك بن فضالة، به. والمبارك بن فضالة يدلِّس ويُسوِّي وقد عنعن عن الحسن، فضلًا عن أن الحسن البصري لم يسمع من أبي موسى فيما ذكر غير واحد كأبي حاتم وأبي زرعة وابن المديني (المراسيل لابن أبي حاتم ١/ ٣٧ (١١٦) و (١١٧)).
(٥) وحديثه أخرجه مسلم (٣٥٢)، وهو في مصنف عبد الرزاق ١/ ١٧٢ (٦٦٧)، وعنه أحمد في المسند ١٣/ ٤٧ (٧٦٠٥)، والنسائي ١/ ١٠٥ (١٧١) ثلاثتهم عن معمر عن الزهري عن عمر بن العزيز عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن أبي هريرة مرفوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>