أقربَ ما يكونُ الرَّبُّ من العبدِ جوفُ الليل الآخرِ، فإن استطَعْتَ أن تكونَ ممّن يذكُرُ الله في تلكَ الساعةِ فكنْ، فإنّ الصلاةَ مشهودةٌ محضورةٌ إلى طلوع الشمس، فإنّها تطلُعُ بين قَرْنَي شيطانٍ، وهي ساعةُ صلاةِ الكُفّار، فدَعِ الصلاةَ حتى تَرتَفِعَ الشمسُ قِيدَ رُمْحٍ، ويذهَبَ شُعاعُها، ثم الصلاةُ مشهودةٌ محضورةٌ حتّى تعتدِلَ الشمسُ اعتدالَ الرُّمْحِ نصفَ النهار، فإنّها ساعةٌ تُفَتَّحُ فيها أبوابُ جهنَّمَ وتُسَجَّرُ، فدَعِ الصلاةَ حتى يَفيءَ الفَيءُ، ثم الصلاةُ محضورةٌ مشهودةٌ حتى تَغيبَ الشمسُ، فإنّها تغيبُ بين قرْنَي شيطانٍ، وهي صلاةُ الكُفّار".
قال أبو عُمر: في حديث عَمْرو بن عَبَسةَ هذا النَّهْيُ عن الصلاةِ عند طُلوع الشمس، وعندَ استوائِها، وعندَ غُروبِها، وفيه إباحةُ الصلاةِ بعدَ الفجر إلى طلوع الشمس، وبعدَ زوالها إلى الغروب، وتدَبَّرْه تَجِدْه كما ذَكَرْتُ لك، وهو حديثٌ صحيحٌ، وطُرُقُه كثيرةٌ حِسانٌ شاميّةٌ، إلّا أنّ قولَه في هذا الحديث: "ثم الصلاةُ محضورةٌ مشهودةٌ حتى تَغيبَ الشمسُ" قد خالفَه فيه غيرُه في هذا الحديث فقال: "ثم الصلاةُ مشهودةٌ مُتقبَّلَةٌ حتى يُصَلَّى العَصْر"، وهذا أشْبَه بالسُّنَن المأثورة في ذلك.
وقد رُوِيَ في هذا الحديث أيضًا: "حتى تكونَ الشمسُ قد دَنَتْ للغروب قِيدَ رُمْحٍ أو رُمْحَين". وسنذْكُرُ اختلافَ العلماءِ في الصلاةِ النافلةِ والفجرِ والعصر، وما رُوِيَ في ذلك من الآثار، في باب محمدِ بن يحيى بن حبّانَ مِنْ هذا الكتاب إن شاء الله.
وأخبرنا عبدُ الله بن محمدِ بن عبدِ المؤمن، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داود (١)، قال: حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ أبو سلمةَ، قال: حدَّثنا حمّادُ بن سلمةَ، عن يعلى بن عطاءٍ، عن يزيدَ بن طَلْقٍ، عن عبد الرحمن بن البَيْلمانيِّ، عن
(١) هو صاحب السنن، وهذه الرواية ليست في سننه، ولا ذكرها المزي في مسنده من التحفة (١٠٧٦٢).