للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الحديث من الفقه: أنّ الوُضوءَ مَسْنونَه ومفروضَه جاءَ فيه مَجيئًا واحدًا، وأنّ من شرطِ المؤمن وما يَنبغي له إذا أراد الصلاةَ أن يأتيَ بما ذُكِرَ في هذا الحديث، لا يُقَصِّرُ عن شيءٍ منه، فإن قصَّر عن شيءٍ منه كان للمُفتَرَض حينئذٍ حُكْمٌ، وللمَسْنُونِ حُكْمٌ، إلّا أنّ العلماءَ أجمَعوا على أنّ غَسْلَ الوجهِ، واليَديْنِ إلى المِرفَقَين، والرِّجْلينِ إلى الكَعْبين، ومَسْحَ الرَّأس، فرضٌ ذلك كلُّه؛ لأمرِ الله به في كتابِه المسلمَ عندَ قيامِه إلى الصلاةِ إذا لم يكنْ متوضِّئًا، لا خلافَ عَلِمْتُه في شيءٍ من ذلك، إلّا في مسحِ الرِّجْلين وغَسْلِهما، على ما نُبَيِّنُه في بلاغاتِ مالكٍ إن شاء الله.

واختَلَفُوا في المضمضةِ والاستنثارِ؛ فقالَت طائفةٌ: ذلك فرضٌ. وقال آخرون: ذلك سُنّةٌ. وقال بعضُهم: المضمضةُ سُنّةٌ، والاستِنْثارُ فَرْضٌ.

وليس في مُسندِ حديثِ عمرِو بن يحيى، عن أبيه، عن عبدِ الله بن زيدِ بن عاصمٍ، في صِفَةِ وُضوءِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (١) ولا في "الموطأ" ذِكْرُ الأذُنين في الوُضوء في حديثٍ مسندٍ إلّا في حديثِ الصُّنابِحيِّ هذا.

وقد استدلَّ بعضُ أهلِ العلم على أنّ الأُذُنَين من الرأس، وأنّهما يُمْسَحان بماءٍ واحدٍ مع الرأس بحديث الصُّنابِحيِّ هذا؛ لقوله فيه: "فإذا مسَح برأسِه خرَجتِ الخطايا من أُذُنَيْه". فنَذْكُرُ أقاويلَ الفقهاء في ذلك هاهنا، ونؤخر ذِكْرَ المِرْفَقَين إلى بابِ عمرِو بن يحيى، وذِكْرَ الكَعبَين إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَيْلٌ للأعْقابِ مِن النَّار" (٢). ونُرجئُ ذِكْرَ القولِ في مَسْحِ الرأس إلى باب عَمْرو بن يحيى أيضًا، في حديثِ عبدِ الله بن زيدِ بن عاصم إن شاء الله، وجاءَ في هذا الحديث ذِكْرُ الاستِنْثارِ، فنَذْكُرُه أيضًا بعَوْن الله.


(١) في الموطأ ١/ ٥٠ (٣٢)، ومن طريقه البخاري في صحيحه (١٨٥)، ومسلم (٢٣٥) بالإسناد المذكور.
(٢) روي هذا الحديث من وجوه عديدة عن الصحابة مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، منها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أخرجه البخاري في صحيحه (٦٠)، ومسلم (٢٤١)، وحديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد في المسند ٤١/ ٦٣ (٢٤٥١٦)، ومسلم (٢٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>