للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو داودَ: سألتُ يحيىَ بنَ مَعينٍ عن هذا الحديث، فضعَّفه وقال: ليس بشيءٍ، إنّما يقولُ: حدَّثني الأشْياخُ (١).

قال أبو عُمر: ولو كان ثابتًا لاحْتَمَل ألّا يكونَ مُخالفًا للأحاديثِ التي ذُكِرَتْ من رواية ابن عباس (٢)، وعائشةَ (٣)، وسلمةَ بن المحَبِّق (٤)، وغيرِهم، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه أباحَ الانتفاعَ بجلُود الميْتةِ إذا دُبِغَتْ، وقال: "دِباغُها طَهُورُها"، لأنّه جائزُ أن يكونَ معنى حديثِ ابن عُكَيم ألّا يَنْتَفِعوا من الميْتةِ بإهابٍ قبلَ الدِّباغ، وإذا احتملَ ألّا يكونَ مُخالفًا له، فليس لنا أن نجعَلَه مُخالفًا، وعلينا أن نَسْتَعملَ الخَبَرْين ما أمكَن استعمالُهما، ومُمكِنٌ استِعمالهُما بأن نَجْعَلَ خبرَ ابنِ عُكَيْم في النَّهْي عن جُلود الميتةِ قبلَ الدِّباغ، ونَستَعْمِلَ خبرَ ابن عباسٍ وغيرِه في الانتفاع بها بعدَ الدِّباغ، فكأنّ قولَه - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَنْتَفعوا من الميْتةِ بإهابٍ": قبلَ الدِّباغ، ثم جاءَتْ رخصةُ الدِّباغ.

وحديثُ عبدِ الله بن عُكَيْم وإن كان قبلَ موتِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بشهر كما جاء في الخبر (٥)، فممكنٌ أن تكونَ قصَّةُ ميمونَةَ وسَمماعُ ابن عباسٍ منه قوله: "أيُّما إهابٍ دُبغَ فقد طَهُر". قبلَ موتِه بجُمُعةٍ أو دونَ جُمُعةٍ، واللهُ أعلم.


(١) وقال ابن محرز: سمعت يحيى في حديث ابن عكيم في الميتة: أتانا كتاب رسول الله "ألّا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عَصَب" أنه لا يسوى فلسًا، قيل ليحيى: كيف هذا؟ قال: أفسده الشاميون، عن عبد الله بن عكيم، قال: حدثنا أصحاب لنا. (١/ رقم ٦٠٧) وتنظر موسوعة أقوال يحيى بن معين ٣/ ١٠٥.
(٢) سلف تخريجه.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٦٤٣ (١٤٣٨) من رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أمِّه، عنها، وسيأتي الكلام عليه مع تمام تخريجه في باب يزيد بن عبد الله بن قسيط.
(٤) سلف تخريجه.
(٥) على ما وقع في بعض الروايات، وفي بعضها بشهرين، وقال ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه ص ١٥١: "ورواه خالدٌ الحذّاء وشعبة فوقَّتا فقالا: قبل موته بشهرين، وفي آخر: بشهر". انتهى، وقد سلف تخريج روايتهما ورواية غيرهما قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>