للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتجَّ بأنَّ الله عزَّ وجلَّ حرَّم الميْتَةَ تحريمًا مُطلقًا لم يَخُصَّ منها شيئًا دونَ شيءٍ، فكان ذلك واقعًا على اللَّحم والجِلْدِ جميعًا.

واحتجَّ أيضًا بقولِ الله عزَّ وجلَّ لموسى عليه السلامُ: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: ١٢]، وبقولِ كعبٍ وغيرِه: كانت نَعْلا موسى من جِلْد حمارٍ مَيِّتٍ (١).

هذا كلُّه ما احتَجَّ به بعضُ من ذَهَب مذهبَ أحمدَ بن حنبل في هذا الباب، وقال: إنّ حديثَ ابن عباسٍ مُختَلَفٌ فيه؛ لأنّ قومًا يقولون: عن ابن عباسٍ، عن ميمونةَ. وقومًا يقولون: عن ابن عباسٍ، عن سَوْدَة (٢). ومرَّة جعلوا الشاةَ لسَوْدَةَ، ومرَّةً جعَلوها لميمونةَ، ومرّةً جعلوها لمولاة مَيمونةَ. ومرةً قالوا: عن ابن عباسٍ: سمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -.

قال أبو عُمر: هذا كلُّه ليس باختلافٍ يَضُرُّ؛ لأنّ الغَرَضَ صحيحٌ، والمَقْصِدَ واضحٌ ثابتٌ، وهو أنّ الدِّباغَ يُطَهِّرُ إهابَ الميتةِ، وسواءٌ كانت الشاةُ لميمونةَ، أو لمولاةٍ لها (٣)، أو لسَوْدَةَ، أو لمن شاء اللهُ، ومُمكِنٌ أن يكونَ ذلك كلُّه أو بعضه. ومُمكنٌ أن يَسمعَ ابنُ عباسٍ بعدَ ذلك من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ما حَكاه عنه ابنُ وَعْلَةَ قولَه: "أيُّما إهابٍ دُبغ فقد طَهُرَ". وذلك ثابتٌ عنه - صلى الله عليه وسلم -، وإذا ثبَت ذلك فقد ثبَت تَخصيصُ الجلدِ بشرطِ الدِّباغِ من جملَةِ تحريم الميْتةِ، والسُّنَّةُ هي المبيِّنةُ عن الله مرادَه من مُجمَلاتِ خِطابِه. وأمّا ما رُوِيَ عن عمرَ، وابن عُمرَ،


(١) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥٠٣ (٢٦٦١) عن عمِّه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار، وأخرجه عبد الرزاق في التفسير ٢/ ١٥ عن مالك، به.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٤٥/ ٤٠٨ (٢٧٤١٨)، والبخاري (٦٦٨٦)، والنسائي في المجتبى (٤٢٤٠)، وفي الكبرى ٤/ ٣٨١ (٤٥٥٢) من طريق عكرمة عن ابن عباس، عن سودة زوج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالت: ماتت شاة لنا، فدَبَغْنا مَسْكَها، ثم ما زلنا نَنبذ فيه حتى صار شَنًّا.
(٣) قوله: "أو لمولاةٍ لها" لم يرد في ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>