للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّمَّانُ بالمدينة سنةَ إحدَى ومئةٍ، وكان أبو هريرةَ إذا نظَر إلى أبي صالحٍ هذا قال: ما على هذا ألّا يكونَ من بني عبدِ منافٍ (١).

وفي هذا الحديث من الفقه: أنّ الأعيانَ لا يُؤْجَرُ المرءُ في اكتِسابها، إنّما يُؤْجَرُ في استعمالِ ما ورَد الشرعُ بعملِه مع النِّيّة التي تَزْكُو بها الأعمالُ، إذا نوَى بها صاحبُها وجهَ الله والدارَ الآخرةَ وما يُقَرِّبُه من ربِّه، إذا كان ذلك على سنَّةٍ، إلّا ترَى أنّ الخَيْلَ أجر لمن اكتَسَبها، ووِزْرٌ على مَن اكتَسَبها، على ما جاء به الحديثُ، وهي جِنْسٌ واحدٌ، قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (٣١)} [محمد: ٣١]، وقال: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: ٧، الملك: ٢]، وقال: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: ١٢٩].

وفيه أن الحَسَناتِ تُكتَبُ للمَرْءِ إذا كان له فيها سَبَبٌ، وإنْ لم يَقْصدْ قَصْدَها، تفَضُّلًا من الله تعالى على عبادِه المؤمنين، ورحمةً منه بهم، وليس هذا حكمَ اكتساب (٢) السَّيِّئاتِ إن شاء اللهُ؛ يدُلُّك على ذلك أنّه لم يَذْكُرْ في هذا الحديثِ حرَكاتِ الخَيْل وتَقَلُّبَها في سيئاتِ المُفْتَخِر بها، كما ذكَر ذلك في حَسَنات المُحتسِب (٣) المريد بها البِرَّ، ألا ترى أنّها لو قطَعَتْ حَبْلَها نهارًا فأفسَدَتْ زرعًا، أو رَمَحَتْ فقتَلتْ أو جَنَتْ، أنّ صاحبَها بَريءٌ من الضَّمانِ عندَ جميع أهل العلم. ويُبيِّنُ ذلك أيضًا قولُه في هذا الحديث: "ولو أنّها مرّتْ بنهَرٍ فشرِبَتْ منه ولم يُرِدْ أنْ يَسْقِيَها، كان ذلك له حسناتٍ". وفي هذا دليلٌ على أنّ المُسلمَ إذا صنَع شيئًا


(١) ينظر تهذيب الكمال ٨/ ٥١٦ والتعيلق عليه.
(٢) "اكتساب" من د ١، ق.
(٣) في خ: "المحتسبين المريدين"، وما هنا من د ١، ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>