للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: يا رسولَ الله، وما حقُّها؟ قال: "إطراقُ فَحْلِها، وإعارةُ دَلْوِها، ومَنْحُها، وحَلْبُها على الماء، وحمل عليها في سبيلِ الله".

وقال آخرون: أراد بقوله: "ولم ينسَ حقَّ الله في رقابِها ولا ظُهورِها": الزكاةَ الواجبةَ فيها. ولا أعلمُ أحدًا من فقهاءِ الأمصارِ أوجَب الزكاةَ في الخيل إلّا أبا حنيفةَ وشيخَه حَمّادَ بن أبي سُليمانَ. وخالَف أبا حنيفةَ في ذلك صاحِباه أبو يوسفَ ومحمدٌ، وسائرُ فقهاءِ الأمصار.

فأمّا أبو حنيفةَ فكان يقولُ: إذا كانت الخيلُ سائمةً، ذُكورًا وإناثًا يَطْلُبُ نَسْلَها، فالزكاةُ فيها عن كلِّ فرسٍ دينارٌ. قال: وإن شاءَ قوَّمَها، وأعطَى عن كلِّ مِئتَي درهم خمسةَ دَراهم (١).

قال أبو عُمر: هذا يدُلُّ على ضعفِ قولِه؛ لأنّ المواشيَ التي تَجِبُ فيها الزكاةُ لا يجوزُ تَقْويمُها عندَ أحدٍ من أهل العلم. وحُجَّةُ من لم يُوجبِ الزكاةَ في الخيلِ قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على المسلم في عَبدِه ولا في فَرسِهِ صدقةٌ". وسيأتي هذا الحديثُ في مَوضِعِه من كتابنا (٢) هذا إن شاء الله. وروى عليٌّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: "عَفَوْتُ لكم عن صَدَقةِ الخَيْلِ والرَّقيق" (٣).

وقال الثوريُّ، عن عبدِ الله بن حسنٍ: نهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُؤْخَذَ من الخيلِ شيءٌ (٤). ولم يَبْلُغْنا أنّ أحدًا من الخلفاءِ الراشدين أخَذ من الخَيْل صدقةً، إلّا (٥)


(١) نقل ذلك عنه محمد بن الحسن الشيباني في الأصل المعروف بالمبسوط ٢/ ٦٤. وينظر في هذا: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٤٢١، والمبسوط للسرخسي ٢/ ١٨٨.
(٢) الموطأ ١/ ٣٧٢ (٧٥١)، وسيأتي تمام تخريجه في باب عبد الله بن دينار من هذا الكتاب.
(٣) سيأتي تخريجه في باب عبد الله بن دينار في هذا الكتاب.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في المصنف ٤/ ٣٤ (٦٨٨٣) عن الثوريِّ، به. وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٤٢١.
(٥) من هنا إلى قوله: "الخيل" سقط كله من د ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>