أنّ الثانيةَ نافلةٌ، بل يقولون: إنّا لا نَعلمُ أيَّ الصَّلاتَين فرضُه. ولا يَأمُرونه أنْ يدْخُلَ مع الإمام إلّا بنيةِ الفرض؛ ثم ذلك إلى الله يَجْعَلُها أيَّتَهما شاء، فأيَّتَهما جعَلها، فالأخرَى تَطَوُّعٌ.
والأغلبُ عندَهم في الظَّنِّ أنّ الثانيةَ فرضُه؛ لفَضْلِ صَلاةِ الجماعة على صلاةِ الفَذِّ، وتأوَّلوا قولَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ يزيدَ بن الأسود:"فإنّها لكما نافلةٌ". قالوا: معنى نافلةٍ: فضيلةٌ وزيادةُ خَيْرٍ، ولا يُوجِبُ أنْ يكونَ معنى قولِه ذلك أنْ يكونَ تطوُّعًا، واحتجُّوا بقولِ الله تعالى:{نَافِلَةً لَكَ}[الإسراء: ٧٩]؛ أي: فضيلةً، وبقوله عزَّ وجلَّ:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً}[الأنبياء: ٧٢]؛ أي: فضيلةٌ.
ومِنْ أدلِّ دليلٍ على أنّ الأولَى فرضُه والثانيةَ نَفلٌ على مذهَبِ مالكٍ وأصحابِه ممّا لم يَختلِفوا فيه: أنّهم لم يختَلِفوا أنّ من صلَّى وحدَه لا يكونُ إمامًا في تلك الصلاة، فدلَّ على أنّها غيرَ فريضةٍ، وإذا كانت غيرَ فريضةٍ كانت تطوُّعًا (١)، وبالله التوفيقُ.