للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصغرِهم سنًّا - اختَلَفا، فلم يَكُنْ لواحدٍ منهما حجّةٌ على صاحبِه، حتى أدلَى ابنُ عباسٍ بالسُّنَّة ففلَج (١)، وهذا يُبيِّنُ لك أنّ قولَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أصحابي كالنُّجوم" (٢) هو على ما فسَّره المُزَنيُّ وغيرُه من أهلِ النَّظَرِ: أنّ ذلك في النَّقْل؛ لأنّ جميعَهم ثِقاتٌ مأمونٌ عدلٌ رضًى، فواجبٌ قَبولُ ما نقَل كلُّ واحدٍ منهم وشهِد به على نَبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، ولو كانوا كالنُّجوم في رأيهم واجتهادِهم إذا اختلَفوا، لقال ابنُ عبّاسٍ للمِسْوَر: أنتَ نجمٌ وأنا نجمٌ، فلا عليكَ، وبأيِّنا اقتُديَ في قولِه فقد اهتُدِيَ، ولَمَا احتاجَ إلى طلبِ البَيِّنَةِ والبُرهان من السُّنَّة على صحَّةِ قولِه. وسائرُ الصحابة رضي اللهُ عنهم إذا اختلَفوا، حُكْمُهم في ذلك كحُكم ابن عباسٍ والمِسْوَرِ بن مَخرمَةَ سواءً، وهم أوَّلُ من تلا: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩]. قال العلماءُ: إلى كتابِ الله، وإلى (٣) نَبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، فإنْ قُبِضَ فإلى سُنَّتِه؛ ألا ترَى أنَّ ابنَ مسعودٍ قيلَ له: إنّ أبا موسَى الأشْعَريَّ قال في أُختٍ وابنةٍ، وابنةِ ابنٍ: إنّ للابنةِ النِّصفَ وللأختِ النِّصفَ، ولا شيءَ لبنتِ الابن، وأنَّه قال للسائل: ائتِ ابنَ مسعودٍ، فإنّه سيُتابِعُنا. فقال ابنُ مسعودٍ: {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام: ٥٦].


(١) أي: ظفر وفاز، يقال: فلجت على خصمك، وفلجت حُجَّتُك، وخرج لك سهم فالج، أي: فائز. (أساس البلاغة للزمخشري ٢/ ٣٣).
(٢) ضعيف جدًّا، أخرجه عبد بن حميد في المنتخب (٧٨٣)، وابن عدي في الكامل ٢/ ٣٧٧، والمؤلف معلّقًا في جامع بيان العلم وفضله ٢/ ٩٢٤ (١٧٥٩) من طريق أبي شهاب الحنّاط - وهو عبد ربّه بن نافع - عن حمزة الجَزَري، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أصحابي مِثْل النُّجوم فبأيِّهم أخذتم بقوله فقد اهتديتم".
وحمزة الجَزَريّ: هو حمزة بن أبي حمزة النَّصيبي متروك متهم بالوضع كما في التقريب (١٥١٩).
وهذا الحديث يروى أيضًا بأسانيد ضعيفة عن أبي هريرة وأبي موسى وغيرهما ساقها الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ٤/ ١٩٠، ١٩١ وبيّن عللها، وينظر البدر المنير لابن الملقن ٩/ ٥٨٤.
(٣) بعد هذا في ط: "سنة"، ولا يستقيم، لقوله بعد: "فإلى سنته".

<<  <  ج: ص:  >  >>