للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا الباب قولُه في هذا الحديث: "وصلاة العصر"، في مذهب مَن نفَى أن تكونَ الصلاةُ الوسطَى هي صلاةَ العصر.

وقد تأوَّلَ قومٌ في قول عمر: قَرَأناها على عهدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، أي: تلَوناها، والحكمةُ تُتْلَى، بدليل قول الله عزَّ وجلَّ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: ٣٤]. وبينَ أهلِ العلم في هذا نزاعٌ (١) يطولُ ذكرُه.

والوجه الثالثُ: أنْ يُنْسَخَ حكمُه ويبقَى خطُّه يُتْلَى في المصحفِ، وهذا كثيرٌ نحوُ قوله عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: ٢٤٠]، نسَخَتْها: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} الآية [البقرة: ٢٣٤]. وهذا من الناسخِ والمنسوخِ المُجتَمَع عليه.

وقد أنكَر قومٌ أن يكونَ هذا الحديثُ في شيءٍ من معنى الناسخ والمنسوخ، وقالوا: إنما هو من معنى السبعةِ الأحرفِ التي أنزلَ الله القرآنَ عليها، نحوَ قراءةِ عمرَ بن الخطاب، وابن مسعودٍ (٢)، رحمهما اللهُ: "فامْضوا إلى ذكرِ الله"، وقراءةِ


(١) في ط: "تنازع".
(٢) أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن ص ٣١٤ بإسناده عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه قرأها كذلك، وقال: لو كانت (فاسْعَوْا) لَسعيتُ حتى يسقط ردائي. وأخرجه أيضًا ص ٣١٤ عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن خرشة بن الحُرِّ عن أبي: أنه كان يقرؤها كذلك.
وهي من القراءات الشاذّة، وقد قال أبو عبيد ص ٣٢٥ في مثل هذه القراءات: "فإنما أراد أهل العلم منها أن يستشهدوا بها على تأويل ما بين اللوحين، وتكون دلائله على معرفة معانيه وعلم وجوهه". وقال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٥/ ١٧١: ولكن اتباع المصحف أوْلى، ولو كانت عند عمر "فامضوا" لا غير، لغيَّرها في المصحف. وينظر: المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات ٢/ ٤١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>