للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الآثارِ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو عن أُبَيٍّ، أو عمرَ بن الخطاب، أو عائشةَ، أو ابنِ مسعودٍ، أو ابنِ عباسٍ، أو غيرهم من الصحابةِ ممّا يُخالِفُ مصحفَ عثمانَ المذكورَ، لا يُقطعُ بشيءٍ من ذلك على الله عزَّ وجلَّ، ولكنّ ذلك في الأحكام يَجري في العملِ مَجرَى خبرِ الواحد. وإنّما حَلَّ مصحفُ عثمانَ رضيَ اللهُ عنه هذا المَحَلَّ؛ لإجْماع الصحابةِ وسائرِ الأُمَّةِ عليه، ولم يُجْمِعوا على ما سِواه، وبالله التوفيقُ. ويُبيِّنُ لك هذا أنّ مَن دفَع شيئًا ممّا في مصحفِ عثمانَ كفَر، ومن دفَع ما جاءَ في هذه الآثارِ وشِبْهِها من القراءاتِ لم يَكْفُرْ.

ومثلُ ذلك مَن أنكَر صلاةً من الصلواتِ الخمسِ واعتقَد أنّها ليستْ واجبةً عليه كَفَر، ومَن أنكَر أنْ يكونَ التَّسليمُ من الصلاة، أو قراءةُ أُمِّ القرآنِ أو تكبيرةُ الإحرام فرضًا لم يَكْفُرْ، ونُوظِرَ، فإن بانَ له فيه الحُجَّةُ وإلّا عُذِرَ إذا قامَ له دَليلُه، وإنْ لم يَقُمْ له على ما ادَّعاه دليلٌ مُحتَمِلٌ هُجِرَ وبُدِّعَ، فكذلك ما جاء من الآيات المُضافاتِ إلى القرآنِ في الآثارِ، فقِفْ على هذا الأصل، فإنّه (١) أصلٌ عظيمٌ في معناه.

وفي هذا الحديث: دليلٌ على أنّ الصلاةَ الوسطَى ليستْ صلاةَ العصر؛ لقوله فيه: "وصلاةِ العصرِ". وهذه الواوُ تُسمَّى الواوَ الفاصلة (٢).


(١) هذه الجملة لم ترد في ط.
(٢) وهذا يعني بأنّ قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} يتناول الفرائضَ والنوافل، فعُطِفَ عليه "الوسطى" وأُريد به كلّ الفرائض تأكيدًا لها؛ قاله الحافظ ابن حجر في الفتح ٨/ ١٩٧، ١٩٨ في سياق ذكره لاختلاف السلف في المراد بـ "الصلاة الوسطى" وبسطه لأقوالهم التي بلغت تسعة عشر قولًا، وأضاف: "واختار هذا القول ابن عبد البر"، وقد تعقَّب ابن كثير في تفسيره ١/ ٦٥٣ هذا القول واستغربه، فقال: "وفي صحّته أيضًا نظر، والعجب أنّ هذا القول اختاره الشيخ أبو عمر بن عبد البَرِّ النَّمري، إمامُ ما وراء البحر، وإنها لإحدى الكُبَرِ، إذ اختاره - مع اطِّلاعه وحفظِه - ما لم يَقُم عليه دليلٌ من كتاب ولا سُنّةٍ ولا أثرٍ! ".

<<  <  ج: ص:  >  >>