للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه في هذا الحديث: "ومَا فَاتَه مِن وَقْتِهَا" دليل على أنَّه لم يَفُتْه وَقْتُها كلُّه، واللهُ أعلمُ، لأنَّ "مِن" حقُّها التَّبْعِيضُ.

ولا خِلافَ بينَ علماءِ المسلمينَ أنَّ مَن صلَّى صَلاتَه في شيءٍ مِن وَقْتِها، أنَّه غيرُ حَرِجٍ إذا أدْرَكَ وَقْتَها. ففي هذا ما يُغْنِي عن الإكْثَارِ، ولكِنَّهم اخْتَلفُوا في الأفْضَلِ مِن ذلك على ما ذكَرْنَا، ومعلومٌ أنَّ مَن بَدَرَ إلى أداءِ فَرْضِه في أوَّلِ وَقْتِه، كان قد سَلِمَ ممَّا يَلْحَقُ المُتَوَانِيَ مِن العَوارِضِ، ولم تَلْحَقْه مَلامَةٌ، وشُكِرَ له بدَارُه إلى طاعَةِ رَبِّه.

وقد أجْمَعَ المسلمون على تَفْضِيلِ تَعْجِيل المغرب؛ مَن قال: إنَّ وَقْتَها مَمْدُودٌ إلى مَغِيبِ الشَّفَقِ. ومَن قال: إنَّه ليس لها إلَّا وَقْت واحِدٌ. كلُّهم يَرَى تَعْجِيلَها أفضَلَ (١).

وأمَّا الصُّبْحُ، فكان أبو بكرٍ الصدِّيقُ، وعمرُ الفاروقُ، يُغَلِّسَانِ بها (٢). فأينَ المَذْهَبُ عنهما؟ وبذلك كتَبَ عمرُ إلى عُمَّالِه: أن صلُّوا الصَّبْحَ والنُّجومُ بادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ (٣).

وعلى تَفْضِيلِ أوائلِ الأوْقاتِ جمهورُ العُلماءِ، وأكْثَرُ أئِمَّةِ الفَتْوَى. وسيَأْتي شيءٌ مِن هذا المَعْنَى في البابِ الذي بعدَ هذا إنْ شاءَ اللهُ تعالى، وبالله التوفيقُ (٤).


(١) ينظر: مختصر اختلاف العلماء ١/ ١٩٥.
(٢) سلف تخريجه.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٣٧ (٦)، وسيأتي مع تمام تخريجه والكلام عليه ٢٣/ ٣٨٥.
(٤) إلى هنا انتهى المجلد الرابع من الطبعة المغربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>