وأما قولُه:"فأذِن لها بنفَسينِ؛ نفَسٍ في الشِّتاء، ونفَسٍ في الصَّيفِ". فيدُلُّ على أنَّ نفَسَها في الشِّتاء غيرُ الشِّتاء، ونفَسَها في الصيفِ غيرُ الصيفِ. وفي روايةِ جماعةٍ من الصحابةِ زيادةٌ في هذا الحديثِ، وذلك قولُه:"فما ترَونَ من شدَّةِ البردِ، فذلك من زَمْهريرِها، وما ترونَ من شدَّةِ الحرِّ، فهو من سَمُومِها". أو قال:"من حرِّها"(١).
وهذا أيضًا ليس على ظاهرِه، وقد فسَّره الحَسَنُ البَصْريُّ في روايته، فقال: اشتكَتِ النَّارُ إلى ربِّها، فقالت: يا ربِّ، أكَل بعضي بعضًا، فخفِّفْ عني. قال: فخفَّف عنها، وجعَل لها كلَّ عام نفَسينِ؛ فما كان من بردٍ يُهلِكُ شيئًا، فهو من زمهريرِها، وما كان من سَمُوم يُهلِكُ شيئًا فهو من حرِّها.
وقولُه في هذا الحديث: زمهريرٌ يُهلكُ شيئًا- وحرٌّ يُهلكُ شيئًا. تفسيرُ ما أشكَل مِن ذلك، واللهُ أعلمُ.
وفي هذا الحديثِ أيضًا دليلٌ على أنَّ الجنّةَ والنَّارَ مخلُوقتانِ لا تبِيدان. ومما يدُلُّكَ على أنَّ النَّارَ والجنةَ قد خُلِقتا: ما حدَّثناه خلفُ بنُ القاسم وعبدُ الرحمنِ بنُ مرْوانَ، قالا: أخبَرنا الحسنُ بنُ رَشيقٍ، قال: أخبَرنا إسحاقُ بنُ إبراهيمَ بنِ يونسَ، قال: أخبَرنا أبو شُرَحْبِيلٍ عيسى بنُ خالدٍ الحِمصيُّ، قال: أخبَرنا أبو اليمانِ، قال: أخبَرنا إسماعيلُ بنُ عيَّاش، عن عُمارةَ بنِ غَزِيَّةَ أنَّه سمِع حُميدَ بنَ عُبيدٍ مولى المُعلَّى يقولُ: سمِعتُ ثابتًا البُنانيَّ يُحدِّثُ عن أنسِ بن مالكٍ، عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٣٥٢٧٤)، وابن ماجه (٤٣١٩) من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، بلفظ: " ... فشدّة ما تجدون من البرد من زمهريرها، وشدَّة ما تجدون في الصيف من الحرِّ من سَمُومها"، ولفظه عند أحمد في المسند ١٦/ ٣١٨ (١٠٥٣٨)، والبخاري (٣٢٦٠)، ومسلم (٦١٧) من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: "فأشدُّ ما تجدون من الحرِّ، وأشدُّ ما تجدون من الزمهرير".