للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: قد قال جماعةٌ من أهلِ العلمِ، مِنهم داودُ (١): معنَى التحرِّي: الرجوعُ إلى اليقينِ (٢).

وحجَّةُ من قال بالتحرِّي في هذا البابِ حديثُ ابنِ مسعودٍ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "مَن شكَّ منكم في صلاتِه فلْيَتحرَّ الصوابَ، وليَبْنِ على أكثرِ ظنَّه" (٣)، وهو حديثٌ يروِيه أبو عُبيدةَ بنُ عبدِ الله بنِ مسعودٍ، عن أبيه، ولم يسمعْ من أبِيه فيما يقولُ أهلُ الحديثِ (٤)، وقد يَحتملُ أنْ يكونَ التحرِّي هو البناءَ على اليقينِ، ومَن حمَله على ذاك صحَّ له استعمالُ (٥) الخبرينِ، وأيُّ تَحَرٍّ يكونُ لمنِ انصرَف وهو شاكٌّ لم يَبْنِ على يقينِه، وقد أحاط العلمُ أنَّ شُعبةً منَ الشكِّ تصحبُه إذا لم يبنِ على يقينِه وإنْ تحرَّى، وحديثُ ابنِ مسعودٍ عندِي ليس ممَّا يُعارَضُ به شيءٌ من الآثارِ التي ذكَرناها في هذا الباب.

وقد قال أحمدُ بنُ حنبلٍ فيما حكَى الأثرمُ عنه: حديثُ التحرِّي ليس يروِيه إلَّا منصورٌ. قلتُ له: ليس يروِيه إلَّا منصورٌ؟ قال: لا، كلُّهم يقولُ: إنَّ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- صلَّى خمسًا. قال: إلَّا أنَّ شُعبةَ روَى عن الحكمِ، عن أبي وائلٍ، عن عبدِ الله موقوفًا نحوَه، قال: "إذا شكَّ أحدُكمْ فلْيَتَحرَّ".

وأمَّا الليثُ بنُ سعدٍ، فأحسَبُه ذهَب إلى ظاهرِ حديثِ ابنِ شهابٍ، عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الشيطانَ يأتي أحدَكم فيَلبِسُ عليه". . .


(١) قوله: "منهم داود" لم يرد في د ١.
(٢) ومنهم أبو سليمان الخطابي فيما نقل عنه البيهقي معرفة السنن والآثار ٣/ ٧٢، قوله: التَّحرِّي قد يكون بمعنى اليقين، قال الله -عزّ وجل-: {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن: ١٤]. وينظر: الأوسط لابن المنذر ٣/ ٤٧٦، وبداية المجتهد لابن رشد ١/ ٢٠٨.
(٣) تفرد ابن عبد البر بهذا اللفظ.
(٤) فإسناده ضعيف.
(٥) سقطت هذه اللفظة من د ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>