للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانَتِ العربُ تُصلِّي إلى الأصنام وتَعْبُدُها، فخَشِيَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على أمَّتِه أنْ تَصْنَعَ كما صنَع بعضُ مَن مَضَى من الأممِ؛ كانُوا إذا مات لهم نَبِيٌّ عكَفوا حولَ قبرِه كما يُصْنَعُ بالصَّنمِ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ لا تَجعَلْ قبرِي وَثَنًا يُصَلَّى إليه، ويُسجَدُ نحوَه ويُعْبَدُ؛ فقدِ اشتدَّ غضبُ الله على من فعَل ذلك". وكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُحَذِّرُ أصحابَه وسائرَ أُمَّتِه من سوءِ صنيعِ الأمم قبلَه، الذين صلَّوا إلى قُبورِ أنبِيائِهم، واتَّخَذوها قبلةً ومسجدًا كما صنعتِ الوَثَنِيَّةُ بالأوثانِ التي كانُوا يَسجُدون إليها ويُعَظِّمونها، وذلك الشركُ الأكبرُ، فكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُخبِرُهم بما في ذلك من سخطِ الله وغضبِه، وأنَّه ممَّا لا يَرضاه؛ خشيةً عليهم امتثالَ طرقِهم. وكان -صلى الله عليه وسلم- يُحِبُّ مخالفةَ أهلِ الكتابِ وسائرِ الكفارِ، وكان يخافُ على أمَّتِه اتِّباعَهم، ألا تَرى إلى قولِه - صلى الله عليه وسلم - على جهةِ التعييرِ والتَّوبيخِ: "لَتَتَّبِعُنَّ سننَ الذين كانوا قبلَكم حَذْوَ النَّعْلِ بالنَّعْلِ، حتى إنَّ أحدَهم لو دخَل جُحْرَ ضبٍّ لدخَلْتُموه" (١). وقد احتجَّ بعضُ من لا يَرى الصلاةَ في المقبرةِ بهذا الحديثِ، ولا حجةَ له فيه (٢).


(١) أخرجه الطيالسي في مسنده ٣/ ٦٢٩ (٢٢٩٢)، وأحمد في المسند ١٨/ ٣٢٢ (١١٧٩٩)، والبخاري (٣٤٥٦) و (٧٣٢٠)، ومسلم (٢٦٦٩) من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لتتَّبعنَّ سَنَن مَن كان قبلكم شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جُحر ضبٍّ لسلكتموه". قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمَن؟ ".
وأما قوله: "حذو النَّعْل بالنَّعل" فوقع في سياق حديث آخر أخرجه ابن أبي عاصم في السُّنة (٤٥)، والطبراني في الكبير ١٧/ ١٣ (٣) من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جدِّه، وإسناده ضعيف جدًّا، كثير بن عبد الله: وهو ابن عمرو بن عوف المُزني متروك كما قال النسائي والدارقطني كما في تهذيب الكمال ٢٤/ ١٣٩.
(٢) قال البغوي في شرح السُّنة ٢/ ٤١١: "اختلف أهل العلم في الصلاة في المقبرة والحمّام، فرُويت الكراهة فيهما عن جماعةٍ من السَّلف، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور؛ لظاهر الحديث، وإن كانت التُّربة طاهرةً، والمكان نظيفًا، قالوا: وقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتَّخذوها قبورًا" [أخرجه البخاري (٤٣٢)] فدلَّ على أنّ محلَّ القبر ليس بمَحَلٍّ للصلاة".

<<  <  ج: ص:  >  >>