للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عالِمًا به، رُوَيتْ في ذلك آثارٌ شديدةٌ عن السَّلَفِ. وقال اللّهُ عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ لم يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٥)} [المائدة: ٤٤] و: {الظَّالِمُونَ} [المائدة: ٤٥]. و: {الْفَاسِقُونَ} [المائدة: ٤٧]. نزَلَتْ في أهل الكتابِ. قال حُذَيْفَةُ، وابنُ عباسٍ: وهي عامَّةٌ فينا (١). قالوا: ليس بكُفْرٍ يَنْقُلُ عن المِلَّةِ إذا فعَلَ ذلك رجلٌ مِن أهلِ هذه الأُمَّةِ، حتى يَكْفُرُ باللّه وملائكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليوم الآخِرِ. رُوِي هذا المعْنَى عن جماعَةٍ مِن العلماء بتَأْوِيلِ القرآنِ؛ منهم ابنُ عباسٍ، وطاوسٌ، وعطاءٌ (٢). وقال اللّهُ عزَّ وجلَّ: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥)} [الجن: ١٥]. والقاسِطُ: الظالِمُ الجائِرُ.

فالذي حصَل في الآثارِ المذكورَةِ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِن ذِكْرِ الكَبائرِ، سِتَّةَ عشَرَ ذَنْبًا: الإشْرَاكُ بالله، وقتلُ النَّفسِ المؤمنةِ بغيرِ الحقِّ، وعُقُوقُ الوالِدَينِ المسلمَيْن، وقَذْفُ المحْصَنَةِ، وشَهادَةُ الزُّورِ، والسِّحْرُ، والفِرارُ مِن الزَّحْفِ، والزِّنَي، وأكلُ


(١) ينظر في هذا: تفسير سفيان الثوري، ص ١٠١ - ١٠٢، وتفسير عبد الرزاق ١/ ١٩١ والسُّنة للمروزي (٦٥)، وأخبار القضاة لوكيع ١/ ٤٠، وجامع البيان لابن جرير الطبري ١٠/ ٣٤٨ و ٣٥٠، وتفسير ابن أبي حاتم ٤/ ١١٤٣ (٦٤٣٠)، والإبانة لابن بطة ٢/ ٧٣٧ (١٥١٢)، والمستدرك للحاكم ٢/ ٣١٢.
(٢) تنظر الأخبار عنهم في ذلك: تفسير سفيان الثوري، ص ١٠١ - ١٠٢/ وتفسير عبد الرزاق ١/ ١٩١ وأخبار القضاة لوكيع ١/ ٤٢ و ٤٣، وجامع البيان لابن جرير الطبري ١٠/ ٣٥٥ و ٣٥٦، وتفسير ابن أبي حاتم ٤/ ١١٤٣ (٦٤٣٣)، والمستدرك للحاكم ٢/ ٣١٣، والإبانة لابن بطة ٢/ ٧٣٥ (١٠٠٧)، والسنن الكبرى للبيهقي ٨/ ٢٠.
وقال القاسم بن سلّام في كتاب الإيمان له، ص ٨٩ - ٩٢ بعد أن نقل جملةً من أقوال أهل التأويل في هذه الآياتِ كقول ابن عباس: "ليس بكُفرٍ ينقل من الملَّهِ"، وقول عطاء بن أبي رباح: "كفر دون كفرٍ"، قال ابن سلّام: (تأويله عند أهل التفسير: أنَّ مَنْ حَكَم بغير ما أنزل الله وهو على ملَّة الإسلام، كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية، إنما هو أنَّ أهل الجاهلية كانوا كذلك يحكمون، وهذا قوله: "ثلاثة من أمر الجاهلية، الطَّعن في الأنساب والنِّياحة والأنواء" وكذلك الحديث: "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وَعَد أخلفَ، وإذا ائتُمِنَ خان" ليس وجوه هذه الآثار كلِّها من الذُّنوب: أنَّ راكبها يكون جاهلًا، ولا كافرًا، ولا منافقًا وهو مؤمن باللّه وما جاء من عنده ومؤدٍّ لفرائضه، ولكن معناها: أنّها تتبيَّن من أفعال الكفّار محرَّمة منهيٌّ عنها في الكتاب وفي السُّنة؛ ليَتَحاماها المسلمون ويتجنَّبوها، فلا يتشبَّهوا بشيءٍ من أخلاقهم ولا شرائعهم).

<<  <  ج: ص:  >  >>