للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه الحديثُ: "إيَّاكم والسَّمَرَ (١) بعدَ هَدْأَةِ الرِّجلِ" (٢).

وفي فَزَع أصحابِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- حينَ انتَبهوا لِمَا فاتهم مِن صلاتِهم، أوضحُ الدلائلِ على ما كان القومُ عليه مِن الوَجلِ والإشفاقِ والخوفِ لربِّهم، وأظنُّهم، واللهُ أعلمُ، لم يكونوا عَلِموا أنَّ القلمَ مرفوع عن النائم، وأنَّ الإثمَ عنه ساقطٌ؛ لأنَّهم بُعثَ إليهم وهم لا يعلَمون شيئًا، فعرَّفَهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الإثمَ عن النائم والنَّاسي ساقطٌ، وأنَّ الصلاةَ غيرُ ساقطةٍ، وأنَّه يَلزمُه فعلُها متى ما انتبَه وذكَرها. وقد ظنَّ بعضُ الناسِ أنَّ فَزَعَهم كان لخوفِ عدوِّهم، وليس في شيءٍ من الآثارِ ما يدلُّ على ذلك، ولا يَعرفُ أهلُ السيرِ أنَّ مُنصَرَفَه مِن خيبرَ، أو مِن الحُدَيبيَةِ، كان انصرافَ خائفٍ. وفي هذا الحديثِ لمن تدبَّره، ما يُبيَّنُ به تأوِيلُنا؛ لأن فيه: ثُمَّ انصرَف رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم وقد رأى مِن فَزَعِهم، فقال: "يا أيُّها الناسُ، إنَّ اللهَ قبَض أرواحَنا" الحديثَ، فآنسَهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وأخبرَهم أنَّ مَن نامَ عن الصلاةِ أو نسِيَها، قضاها إذا انتَبَه أو ذكَر. وقال لهم عندَ ذلك في حديث أبي قتادةَ: "ليس التَّفريطُ في النوم، إنَّما التفريطُ في اليقظةِ لمَن لم


(١) في ق: "السفر"، وهو تحريف.
(٢) جزء من حديث أخرجه بهذا اللفظ الحميدي في مسنده (١٢٧٣) عن سفيان بن عُيينة عن أبى الزبير -محمد بن مسلم بن تدرس- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كُفُّوا صِبيانَكم عند فَحْمةِ العشاء، وإيّاكم والسَّمَر بعدَ هَدْأة فإنكم لا تدرون ما يبثُّ الله من خَلْقِه، فأغلِقُوا الأبوابَ، وأطفئوا المصباحَ، وأكْفُوا الإناء، وأوكوا السِّقاءَ" وإسناده صحيح. وهو في صحيح مسلم (٢٠١٢) من رواية الليث عن أبي الزُّبير عن جابر دون ذكر "هَدْأة الرِّجل". والمراد بـ "هدأة الرِّجْل": السُّكون عن الحركات، أي: بعدما يسكن الناس عن المشي والاختلاف في الطُّرق. (ينظر اللسان "هدأ"). وسيأتي هذا الحديث بإسناد المصنِّف في سياق شرحه للحديث الرابع من أحاديث أبى الزّبير عن مالك مع مزيد كلام عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>