(٢) روي هذا الأثر عن شعبة في باب المحدِّث إذا حدَّث حديثًا بإسناده ثم أخرجه بإسناد آخر فقال: "مثله"، فهذا الذي منعه شعبة، وليس المقصود هنا العنعنة. ويشهد لهذا تبويبُ الخطيب البغدادي في الكفاية ٢/ ٣٠ "باب ما جاء في المحدث يروي حديثًا ثم يتبعه بإسناد آخر" ثم ساق بأسانيده إلى شعبة ما يؤيده، ومنها ما أخرجه بسند صحيح من طريق محمود بن غيلان عن وكيع قال: قال شعبة: "مثله" ليس بحديث، وقال سفيان: "مثله" حديث. واستدل بمثل هذا ابن الصلاح متابعًا للخطيب، فأخرج بسنده إلى عمرو بن محمد الناقد عن وكيع عن شعبة قال: "فلان عن فلان مثله: لا يجزئ". قال وكيع: وقال سفيان الثوري: "يجزئ". (علوم الحديث ٢٣١). وقد أخرجه عبد اللَّه بن أحمد في العلل (٣٠٢٦) عن عمرو الناقد، والبغوي في "الجعديات" ٢٧٣ (٣٤) من طريق عمرو الناقد عن وكيع به. ورواه العجلي في الثقات (٦٦٥) من طريق وكيع عن شعبة به (بدون ذكر قول سفيان). يتضح مما سبق أن جميع الروايات جاءت بلفظ: "فلان عن فلان مثله" بزيادة مثله، على عكس ما أخرجه ابن عبد البر عن شعبة بدون زيادة "مثله". وسند ابن عبد البر ضعيف، ففيه أبو الفتح الأزدي الموصلي وكان صاحب مناكير وغرائب، لهذا لا يصح الاستدلال بهذا الأثر الذي أخرجه ابن عبد البر على أن شعبة كان يضعف الحديث المعنعن ثم رجع عنه (كما استدل ابنُ رُشَيد في السنن الأبين، ص ٥٠، على هذا)، فمذهبه واحد وهو قبول الحديث المعنعن بشروطه، واللَّه أعلم.