للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: احْتَجَّ مَن قال: يُقْتَلُ المُرْتَدُّ إذا ارْتَدَّ ثالثة أو رابِعَةً بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} الآية [النساء: ١٣٧]. والقِيَاسُ أنَّ مَن وُلِدَ على الفِطْرَةِ أحَقُّ أنْ يُسْتَتابَ؛ لأنَّه لا يَعْرِفُ غيرَ الإسلام.

واحْتَجَّ مَن لَمْ يَرَ اسْتِتابَةَ المرْتَدِّ، وقال: يُقْتَلُ على ظاهِرِ هذا الحديثِ دونَ اسْتِتابَهٍ بحديثِ أبي موسى الأشعريِّ: أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- اسْتَعْمَله على اليمنِ، ثم أتْبَعَه معاذَ بنَ جبل، فقَدِم معاذٌ فوَجَد عندَه رجلًا مُقَيَّدًا بالحديدِ، فقال: ما شَأْنُ هذا؟ فقال: كان يَهُودِيًّا فأسْلَم، ثم ارْتَدَّ وراجَعَ دِينَه دِينَ السَّوْءِ. فقال معاذ: لا أجْلِسُ حتى يُقْتَلَ، قَضَاءُ الله ورسولِه. فقال له أبو موسى: اجْلِسْ. فقال: لا أجْلِسُ حتى يُقْتَلَ، قَضَاءُ الله ورسولِه. قال: فأمَر به فقُتِل.

رواه يحيى القَطَّانُ، عن قُغ بنِ خالدٍ، عن حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ، عن أبي بُردَةَ، عن أبي موسى (١).

ورُوِي مِن وُجوهٍ عن أبي موسي، إلَّا أنَّ بعضَهم قال فيه: إنَّه قد كان اسْتُتِيبَ قبلَ ذلك أَيَّامًا (٢).


(١) أخرجه أحمد في المسند ٣٢/ ٤٤٠ - ٤٤١ (١٩٦٦٦) عن يحيى بن سعيد، به. وأخرجه البخاري (٦٩٢٣)، ومسلم (١٧٣٣) من طريقين عن يحيى بن سعيد القطّان، به.
(٢) أخرجه أبو داود (٤٣٥٥)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى ٨/ ٢٠٦ (١٧٣٣٦) كلاهما عن الحسن بن علي الحُلواني، عن عبد الحميد بن عبد الرَّحمن الِحّمانيّ، عن طلحة بن يحيى وبُريد بن عبد الله بن أي بُردة عن أبي بُردة عن أبي موسي، قال: قدم عَلَيَّ معاذٌ وأنا باليمن، ورجلٌ كان يهوديًّا فأسلَمَ فارتدَّ عن الإسلام، فلمّا قدِم معاذٌ قال: لا أنزل عن دابَّتي حتّى يُقتَل؛ فقُتل؛ قال أحدُهما: وكان قد استُتِيبَ قَبل ذلك. وإسناده حسن.
عبد الحميد بن عبد الرَّحمن الحِمّاني صدوق حسن الحديث، وهو إلى التوثيق أقرب، وثّقه ابن معين والنسائي في رواية، وبعضهم ضعّفه لأجل ما رُمي به من الإرجاء كما في تحرير التقريب (٣٧٧١)، وطلحة بن يحيى: هو التيمي المدني، صدوق حسن الحديث، وثّقه ابن معين ويعقوب بن شيبة والدارقطني والعجلي وابن سعد، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، حسن الحديث، صحيح الحديث، وقال أبو زرعة وأحمد والنسائي في رواية: صالح، وفي رواية: ليس بالقوي كما في تحرير التقريب (٣٠٣٧)، وباقي رجال الإسناد ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>