للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولِه -صلى الله عليه وسلم- لأُنَيْسٍ الأسلميِّ: "وَأْتِ المرأةَ، فإنِ اعترَفت فارجُمْها" (١). مِن كتابِنا هذا إن شاء اللّهُ.

وفي هذا الحديثِ مِن الفقهِ أيضًا: أنَّ الاعترافَ بما يُوجِبُ الحدَّ يقومُ مقامَ الشهادة على ما ذكَرنا، وهذا ما لا خلافَ فيه، إلَّا ما قدَّمنا ذكرَه من العَددِ في الإقرارِ.

واختلَف الفقهاءُ في رجوعِ المُقِرِّ بالحدِّ بعدَ إقرارِه قبلَ أن يُقامَ عليه الحدُّ؛ فقال مالكٌ: يقبَلُ رجوعُه عن الإقرارِ بالزِّنى والسَّرقةِ وشُربِ الخمرِ، ويغرَمُ للمسروقِ منه ما سرَق إنِ ادَّعَاه (٢). وهو قولُ الثوريِّ، والشافعيِّ، وأبي حنيفةَ، والحسنِ بنِ حيٍّ. وقد رُوِي عن مالكٍ أنَّه إذا ضُرِب أكثرَ الحدِّ ثم انصرَف، أُتِمَّ عليه.

وروَى أبو يوسفَ، عن ابنِ أبي ليلي، أنَّه لا يُقبَلُ رجوعُه. وروَى عنه الليثُ أنَّه يُقبَلُ. وقال عثمانُ البَتِّيُّ: لا يُقبَلُ رجوعُه. وقال الأوزاعيُّ في رجلٍ اعترَف على نفسِه بالزِّنى أربعَ مراتٍ، وهو مُحصَنٌ، ثم ندِم وأنكَر أن يكون إلى ذلك: إنَّه يُضرَبُ حدَّ الفِريةِ على نفسِه، فإنِ اعترَف بسرقةٍ، أو شربِ خمرٍ، أو قتلٍ، ثم أنكَر، عاقَبه السلطانُ دونَ الحدِّ (٣).

قال أبو عُمر: الصحيحُ أنه لا يُجلَدُ إذا رجَع عن إقرارِه" لَأَنه محالٌ أن يقامَ عليه حدٌّ وهو مُنْكِرٌ له بغيرِ بَيِّنَةٍ، ألا ترَى أنَّ الشهودَ لو رجَعوا عن شهادتِهم قبلَ


(١) أخرجه مالك في الموطّأ ٢/ ٣٨٣ (٢٣٧٩) عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجُهنيّ. وهو الحديث الثامن من أحاديث ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة. وسيأتي الكلام عليه مع تمام تخريجه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٢) المشهور عن مالك أنَّه فصَّل في هذه المسألة، وذلك فيما نقله غير واحد من أصحاب مذهبه، ومنهم ابن رشد فقال: وفصَّل مالكٌ فقال: إن رجع إلى شُبهةٍ قُبِلَ رُجوعُه وأمّا إن رجع إلى غير شُبهةِ، فعنه في ذلك روايتان: إحداهما: يُقبل، وهي الرواية المشهورة. والثانية: لا يُقبل رُجوعه. (ينظر: بداية المجتهد: ٢٢٤).
(٣) تنظر جملة هذه الأقوال في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>