للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتجَّ من جعَل الضربَ في الحدودِ كلِّها واحدًا سواءً، بوُرودِ التوقِيفِ فيها على عددِ الجلَداتِ، ولم يرِدْ في شيءٍ منها تخفيفٌ ولا تثقيلٌ عمَّن يجِبُ التسليمُ له، فوجَبَتِ التسويةُ في ذلك؛ لأنَّ مثلَ هذا لا يُؤخَذُ قياسًا، وإنما هي عقوباتٌ ورَد فيها توقيفُ عددٍ، دونَ كَيفيَّةِ شِدَّةٍ وتخفيفٍ في نوعِ الضربِ؛ فالوجهُ فيها التَّسويةُ؛ لأنَّ مَن فرَّق احتاجَ إلى دليلٍ، ولا دليلَ معه في ذلك إلَّا التحكمَ.

ومن حُجَّةِ مَن قال: إنَّ الزِّنى أشدُّ ضربًا مِن القذفِ، والقذفَ أشدُّ مِن الخمرِ؛ لأنَّ الزنى أكثرُ عددًا في الجلَداتِ، فاستَحال أن يكونَ القذفُ أبلغَ في النِّكايةِ؛ لأنَّ اللّهَ قد قَصَر بالعددِ فيه عن عددِ الزِّني، وكذلك الخمرُ لَمْ يثبُتْ فيه حدٌّ إلَّا بالاجتهادِ، وسبيلُ مسائلِ الاجتهادِ ألَّا تَقوَى قُوَّةَ مسائلِ التوقِيفِ.

ومِن حُجَّةِ مَن لَمْ يبلُغْ بالتعزيرِ الحدَّ في العَددِ ولا في الإيجاعِ، عدمُ النصِّ فيه، وإنَّ عِرْضَ المسلم ودمَه محظوران محرَّمان لا يَحِلَّانِ إلَّا بيقينٍ لا شكَّ فيه، مع ما رُوِيَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يُجلدُ أحدٌ فوقَ عشْرِ جَلَدَاتٍ إلَّا في حَدٍّ مِن حدودِ الله". روَاه أبو بُرْدَةَ الأنصاريُّ، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، مِن حديثِ بُكيرِ بنِ الأشجِّ، عن سليمانَ بنِ يسارٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ جابرٍ، عن أبي بُرْدَةَ الأنصاريِّ (١).

وذكَر عبدُ الرزاقِ (٢)، عن قيسِ بنِ الربيع، قال: حدَّثني أبو حَصِين (٣)، عن حبيبِ بنِ صُهبانَ، قال: سمِعتُ عمرَيقولُ: ظهورُ المسلمين حِمَى الله؛ لا يَحِلّ لأحدٍ أن يُخْرِجَها إلَّا في حدٍّ (٤). قال: ولقد رأيْتُه يُقِيدُ مِن نفسِه.


(١) أخرجه أحمد في المسند ٢٥/ ١٥٣ (١٥٨٣٢)، والبخاري (٦٨٤٨)، وأبو داود (٤٤٩١)، وابن ماجة (٢٦٠١)، والترمذي (١٤٦٣)، والنسائي في الكبرى ٦/ ٤٨٣ (٧٢٩٢) من طرقٍ عن بُكير بن الأشجِّ، به.
(٢) في المصنَّف ٧/ ٤١٣ (١٣٦٧٥) و ٩/ ٤٦٤ (١٨٠٣٦).
(٣) هو عثمان بن عاصم الأسدي.
(٤) في المصنَّف: "إلَّا أن يخرجها حد".

<<  <  ج: ص:  >  >>