للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو الوليدِ الطَّيالسيُّ: سمعتُ شُعبةَ يقول: لأنْ أَخِرَّ من السَّماءِ إلى الأرضِ أحَبُّ إليَّ من أن أقول: زعَم فُلانٌ. ولم أسمَعْ ذلك الحديثَ منه (١).

وقالت طائفةٌ من أهلِ الحديث: ليس ما ذكرْنا يَجْرِي عليه لقَبُ التَّدْليس، وإنما هو إرسالٌ. قالوا: وكما جاز أن يُرسِلَ سعيدٌ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعن أبي بكر، وعمرَ، وهو لم يَسْمَعْ منهما، ولم يُسَمِّ أحدٌ من أهلِ العلْم ذلك تَدْليسًا، كذلك مالكٌ عن سعيدِ بنِ المُسيِّب.

والإرسالُ قد تبعَثُ عليه أُمورٌ لا تَضيرُه؛ مثلَ أن يكونَ الرجلُ سمِعَ ذلك الخبرَ من جماعةٍ عن المُعْزَى إليه الخبرُ وصحَّ عندَه، ووقَر في نفسِه، فأرسلَه عن ذلك المُعْزَى إليه، عِلمًا بصحَّةِ ما أرسلَه. وقد يكونُ المُرسِلُ للحديثِ نَسيَ مَن حدَّثه به وعرَف المُعْزَى إليه الحديثُ فذكَره عنه، فهذا أيضًا لا يَضُر إذا كان أصلُ مذهبِه ألّا يأخُذَ إلّا عن ثِقَة، كمالكٍ وشُعْبَة. أو تكونَ مُذاكَرة، فربَّما ثقُل معها الإسنادُ وخفَّ الإرسالُ؛ إما لمعرفَةِ المُخاطَبِين بذلك الحديثِ واشْتِهارِه عندَهم، أو لغيرِ ذلك من الأسبابِ الكائنةِ في معنى ما ذكَرْناه.

والأصلُ في هذا الباب اعتبارُ حالِ المحدِّث؛ فإن كان لا يأخُذُ إلّا عن ثِقَةٍ وهو في نفسِه ثِقَةٌ، وجَب قَبولُ حديثه؛ مُرْسَلِه ومُسْنَدِه، وإن كان يأخذُ عن الضُّعفاءِ ويُسامِحُ نفسَه في ذلك، وجَب التَّوقُّفُ عمّا أرْسلَه حتى يُسمِّيَ مَن الذي أخبرَه. وكذلك مَن عُرِفَ بالتَّدْليسِ المُجتَمَع عليه، وكان من المُسامِحينَ في الأخْذِ عن كلِّ أحَد، لم يُحْتَجَّ بشيءٍ ممّا رواه حتى يقول: أخبرنا، أو: سَمِعتُ.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ١/ ١٧٣ - ١٧٤، وابن الأعرابي في المعجم (٦١٥)، وابن عدي في الكامل ١/ ١٥ بطرق عن أبي الوليد الطيالسي به.
وأخرجه الدولابي في الكنى والأسماء ١/ ٣٩٢ (٦٩٨)، وابن حبان في المجروحين ١/ ٩٢، وأبو نعيم في الحلية ٧/ ١٥١ من طرق عن شعبة بألفاظ مقاربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>