للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمدُ بنُ أبي عمرَ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن زيادِ بنِ سعد، عن سليمانَ بنِ عَتِيق، قال: سمِعتُ ابنَ الزبيرِ يقولُ: سمِعتُ عمرَ بنَ الخطَّابِ يقول: صلاةٌ في المسجدِ الحرام أفضلُ مِن ألفِ صَلاةٍ فيما سِوَاه مِن المساجدِ إلّا مسجدَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنَّما فَضْلُه عليه بمئة صلاة (١).

فهذا حديثُ سليمانَ بنِ عتيقٍ مُحتَملٌ للتَّأويل؛ لأنَّ قوله: فَضلُه عليه يحتَمِلُ الوجهين، إلّا أنّه قد جاءَ عن عبدِ الله بنِ الزبيرِ نصًّا من نَقْلِ الثِّقاتِ -خِلافُ ما تأوَّلوه عليه. على أنّه لم يُتابَعْ فيه سليمانُ بنُ عتيقٍ على ذكرِ عمرَ، وهو ممَّا أخطأ فيه عندهم سليمانُ بنُ عتيقٍ وانفرَدَ به، وما انفرَدَ به فلا حُجَّةَ فيه، وإنَّما الحديثُ محفوظٌ عن ابنِ الزبير على وجهين؛ طائفةٌ تُوقِفُه عليه فتجعَلُه من قولِه (٢)، وطائِفَةٌ ترفَعُه عنه عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بمعنًى واحدٍ: أنَّ الصلاةَ في المسجدِ الحرام أفضلُ من الصلاةِ في مسجدِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بمئة ضِعْف.

هكذا رواه عطاءُ بنُ أبي رباح، عن عبدِ الله بنِ الزبير. واختُلِفَ في رَفْعِه عن عطَاء على حَسَبِ ما نذْكرُه، ومن رفَعَه عنه عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أحفَظُ وأثبتُ من جهةِ النَّقْل، وهو أيضًا صحيحٌ في النَّظَر؛ لأنّ مِثْلَه لا يُدْرَكُ بالرَّأي، ولا بُدَّ فيه من التَّوقيف؛ فلهذا قُلْنا: إنّ من رفَعَه أوْلى، مع شَهادَةِ أئمَّةِ الحديثِ للذي رفَعَه بالحِفْظِ والثِّقَة، فمِمَّن وقَفه على ابنِ الزُّبيرِ من روايَةِ عطاء، الحجَّاجُ بنُ أرطاة، وابنُ جريج، على أنّ ابنَ جريج رواه عن سليمانَ بن عتيقٍ أيضًا مثل روايَتِه عن عطاءٍ سواء.


(١) أخرجه الفاكهي في أخبار مكّة ٢/ ٨٩ (١١٩٩) عن محمد بن أبي عمر، به.
(٢) أخرجه الحميدي في مسنده (٩٤١) عن سفيان بن عيينة بالإسناد المذكور إلى ابن الزبير من قوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>