للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن طاوُوسٍ: أدرَكْتُ ناسًا مِن أصحابِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: كلُّ شيءٍ بقدَرٍ. وأكثرُ الرُّواةِ ذكروا الزيادةَ عن ابنِ عمرَ، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، كما روَى يحيى (١)، إلّا أنَّ منهم مَن لم يَشُكَّ ورواه على القَطْع (٢). وهو حديثٌ ثابِتٌ لا يجئُ إلّا مِن هذا الوجْهِ؛ فإن صَحَّ أنَّ الشَّكَّ مِن ابنِ عمر، أو ممَّن هو دُونَه، ففيه دليل على مراعاةِ الإتْيانِ بألفاظِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- على رُتْبَتِها، وأظُنُّ هذا مِن وَرَع ابنِ عمرَ رحِمه اللهُ. والذي عليه العلماءُ اسْتِجازَةُ الإتيانِ بالمعاني دُونَ الألفاظِ لمن يَعْرِفُ المعنَى، رُوِيَ ذلك عن جماعَةٍ مَنْصوصًا، ومَن تأمَّلَ حديثَ ابنِ شهابٍ ومثلَه، واختلافَ أصْحابِهم عليهم في مُتُونِ الأحادِيثِ، بانَ له ما قُلْنا، وبالله توفيقُنا.

وفي هذا الحديثِ أدلُّ الدلائلِ وأوضَحُها (٣) على أنَّ الشرَّ والخيرَ كلٌّ مِن عندِ الله، وهو خالِقُهما، لا شريكَ له، ولا إلهَ غيرُه؛ لأنَّ العَجزَ شر، ولو كان خيرًا ما استَعاذ منه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، ألا تَرى أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قد استَعاذ مِن الكَسَل والعَجْزِ، والجُبْنِ والدَّيْنِ (٤)، ومُحَالٌ أن يَسْتَعِيَذ مِن الخيرِ، وفي قولِ الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: ١ - ٢] كِفايَةٌ لمَن وُفِّق، وقال عزَّ وجلَّ: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل: ٩٣؛ فاطر: ٨].

وروى مالكٌ (٥)، عن زيادِ بنِ سعدٍ، عن عمرِو بنِ دينارٍ، أنّه قال: سَمِعْتُ عبدَ الله بنَ الزُّبير يقولُ في خُطْبَتِه: إنَّ اللهَ هو الهادي والفاتِنُ.


(١) فقد ذكرها أبو مصعب (١٨٨٠)، والقعنبي كما في مسند الموطأ (٣٧٠)، وسُويد بن سعيد في موطئه (٦٤٨).
(٢) ومنهم ابن القاسم في موطئه (١٨٧)، فقد وقع عنده في آخره قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ شيءٍ بقَدَرٍ حتى العجز والكيْسُ" دون ذكر الزيادة الوارد فيها الشَّكُّ.
(٣) هذه اللفظة لم ترد في ق.
(٤) سيأتي تخريجه.
(٥) في الموطأ ٢/ ٤٨١ (٢٦٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>