للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمر: في هذا الحديثِ من الفقهِ: تركُ حَلْقِ شَعَرِ الرَّأسِ (١)، وحَبسُ الجُمَم (٢).

وفيه دليلٌ على أنَّ حبسَ الجُمَّةِ أفضلُ من الحَلْقِ؛ لأنَّ ما صنَعه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في خاصَّتِه أفضلُ ممَّا أقَرَّ الناسَ عليه ولم يَنهَهُم عنه؛ لأنّه في كلِّ أحوالِه في خاصةِ نفسِه، على أفضلِ الأمورِ وأكمَلِها وأرفَعِها، -صلى الله عليه وسلم-.

وفيه أيضًا من الفِقْهِ: أنَّ الفَرْقَ في الشَّعَرِ سُنَّهٌ، وأنه أولى منَ السَّدْلِ لأنه آخِرُ ما كان عليه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا الفَرْقُ لا يكونُ إلّا مع كثرةِ الشَّعَرِ وطُولِه.

والنَّاصِيَةُ: شَعَرُ مُقدَّم الرأسِ كُلِّه، وسَدْلُه: تركُه مُنْسدِلًا سائِلًا على هَيئَتِه، والتَّفرِيقُ: أنْ يَقْسِمَ شَعَرَ ناصيَتِه يمينًا وشِمالًا، فتَظهَرَ جَبهتُه وجَبِينُه من الجانبَيْن (٣)، والفَرْقُ سنةٌ مَسْنونةٌ، وقد قيل: إنّها من مِلَّةِ إبراهيمَ وسُنَّتِه -صلى الله عليه وسلم-.

ذكر الكلبيُّ، عن أبي صالح (٤)، عن ابنِ عباسٍ في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة ة ١٢٤]. قال: الكَلِماتُ عشرُ خِصالٍ، خَمسٌ منها (٥) في الرأسِ، وخَمسٌ في الجَسَدِ؛ فأمَّا التي في الرأسِ: ففَرْقُ الشَّعَرِ، وقَصُّ الشَّارِبِ، والسِّواكُ، والمَضْمَضةُ، والاستنشاقُ. وأمَّا التي في البَدَنِ:


(١) في د ١: "الشعر"، والمثبت من ق، و ج.
(٢) الجُمَم: جمع جُمّة: وهي مجتمَع شعر الرأس إذا تدلّى منه إلى شَحمة الأُذن والمنكَبين. (تاج العروس مادة "جمجم").
(٣) في ق: "الناصيتين".
(٤) أبو صالح: هو باذام، مولى أُمِّ هانئ، وهو ضعيف مدلّس كما في التقريب (٦٣٦)، وينظر تفسير عبد الرزاق ١/ ٥٧، وجامع البيان لابن جرير الطبري ٢/ ٩ فيما أخرجاه بهذا المعنى من طرقٍ أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما أصحَّ من رواية الكلبي عن أبي صالح.
(٥) في د ١: "عشر خصال منهنّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>