للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال البَرْديجيُّ (١): إنّ "أنَّ" محمولةٌ على الانقطاع حتى يَتبيَّنَ السَّماعُ في ذلك الخبرِ بعينِه من طريقٍ آخَر، أو يأتيَ ما يدُلُّ على أَنَّه قد شهِده وسَمِعه (٢).

قال أبو عُمر: هذا عندي لا معنى له؛ لإجماعِهم على أن الإسنادَ المتَّصِلَ بالصَّحابي، سواءٌ قال فيه: "قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-"، أو: "أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال"، أو: "عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّه قال"، أو: "سمِعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-". كُلُّ ذلك سواءٌ عند العلماء، واللَّهُ أعلم.

وأمَّا التَّدليسُ، فمعناه عندَ جماعةِ أهلِ العلْم بالحديثِ: أن يكُونَ الرَّجلُ قد لَقِيَ شيخًا من شُيوخِه فسَمِع منه أحاديثَ لم يَسمعْ غيرَها منه، ثم أخبَره بعضُ أصحابه ممّن يَثِقُ به عن ذلك الشيخ بأحاديثَ غيرِ تلك التي سَمِع منه، فيُحدثُ بها عن الشيخ دونَ أن يذكُرَ صاحبَه الذي حدَّثه بها، فيقولُ فيها: عن فُلان. يعني ذلك الشيخ.


(١) أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي، من الحفّاظ المتقنين، قال عنه الدارقطني: ثقة مأمون جبل، وقال الخطيب البغدادي: كان ثقة فهمًا حافظًا. ينظر: تاريخ بغداد ٦/ ٤٣١ - ٤٣٢، وسير أعلام النبلاء ١٤/ ١٢٢.
(٢) وما نَسَبَه المصنِّف رحمه اللَّه هنا إلى البرديجي، نسَبَه ابن الصّلاح في مقدّمته أحمد بن حنبل ويعقوب بن شيبة في مسنده الفحل أيضًا، فقال: "وعن أحمد بن حنبل رضي اللَّه عنه: أنهما ليسا سواءً"، وقال ص ٦٤: "ووجدتُ مثل ما حكاه (يعني ابن عبد البرّ) عن البرديجي أبي بكر للحافظ، الفحل يعقوب بن شيبة في مسنده الفحل"، فساق الحديثين اللذين يدُلّان على ذلك.
وتعقّبه زين الدين العراقي في التقييد والإيضاح، فخالف ما ذهب إليه ابن الصلاح من نسبة هذا القول لهما بقوله: "وما حكاه المصنِّف -يعني ابن الصلاح- عن أحمد بن حنبل وعن يعقوب بن شيبة من تفرقتهما بين (عن) و (أنّ) ليس الأمر على ما فهمه من كلامهما، ولم يُفرِّق أحمد ويعقوب بين (عن) و (أنّ) لصيغة (أنّ)، ولكن لمعنًى آخر أذكُره". وساق الحديثين اللذين يدلّان على التفرقة بينهما. وينظر: شرح التبصرة والتذكرة له ١/ ٢٢٣ - ٢٢٤، والشذا الفيّاح من علوم ابن الصلاح لإبراهيم بن موسى الأبناسيّ ١/ ١٦٢ - ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>