للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهؤلاء رووا هذا الحديثَ عن مالكٍ على خلافِ لفظِ "المُوطَّأ"، وهو حديث مرفُوعٌ عندَ أهلِ العِلْم بالحديثِ؛ لأنَّ مَعْمرًا وغيرَه (١) مِن الحُفَّاظِ قالوا فيه: عن الزهريِّ، عن أنسٍ، أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان يُصَلِّي العَصْرَ، ويَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلى العَوَالي، فيأتيهم والشمسُ مُرْتَفِعَة.

هكذا قال فيه جماعَةُ أصحابِ ابنِ شِهَابٍ عنه: يذهَبُ الذَّاهِبُ إلى العَوَالي. وهو الصَّوابُ عندَ أهلِ الحديث، وقولُ مالكٍ عندهم: إلى قُبِاءٍ. وهمٌ لا شكَّ فيه، ولم يُتابِعْه أحدٌ عليه في حديثِ ابنِ شِهَابٍ هذا (٢)، إلّا أنَّ المعْنَى في ذلك مُتَقارِبٌ على سَعَةِ الوقتِ؛ لأنَّ العَوالي مخُتَلفَةُ المسافَةِ، وأقربُها إلى المدينَةِ ما كان على ميلَيْنِ أو ثلاثَةٍ، ومنها ما يكونُ "على" ثمانيةِ أميالٍ وعشَرَةٍ، ومثلُ هذا هي المسافةُ بينَ قُباءٍ وبينَ المدينَةِ، وقُباءٌ موضِعُ بني عمرو بنِ عَوْفٍ، وقد نصَّ على


(١) رواية معمر عن الزُّهري عند أبي يعلى في مسنده ٦/ ٢٨٨ (٣٦٠٤)، وكذا قال غير معمر عن الزهري، مثل: ابن أبي ذئب: وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، وحديثه عند أحمد في المسند ٢٠/ ٤٤٧ (١٣٢٣٥) و ٢١/ ٧ (١٣٢٧٢)، وعند الدارمي في مسنده (١٢٠٨)، وأبي يعلى في مسنده ٦/ ٢٨٩ (٣٦٠٥)، وفيه عندهم بلفظ: "يذهب الذاهب إلى العوالي"، وسيأتي تخريجه من طرقٍ أخرى عن الزُّهري.
(٢) وتُعقِّب هذا القول بأنه وقع في رواية ابن أبي ذئب عن الزُّهري بلفظ "إلى قباء" كما قال مالكٌ فيما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح ٢/ ٢٩ عن الباجي فيما نقله عن الدارقطني، وأضاف ابن حجر: فنسبة الوهم فيه إلى مالك منتقدٌ، فإنه إن كان وهمًا احتمل أن يكون من الزُّهري حين حدَّث به مالكًا".
قلنا: وحَمْلُ الوهم فيه على الزُّهريّ بعيدٌ لأمرين:
الأوّل: أن عظم أصحاب الزُّهري رووه بلفظ "إلى العوالي".
والثاني: نصُّ الأئمّة كالنسائي والبزار والدارقطني على أنَّ الوَهْم فيه من مالكٍ. على أن ابن رشيد أشار إلى أنّ إخراج البخاري الحديث من الوجهين، بحيث ساقه (٥٥٠) بلفظ "إلى العوالي" أولًا، ثم (٥٥١) بلفظ "إلى قباء" فيه دلالة على أنّ الأولى مجملة، والثانية مفسّرة (الفتح ٢/ ٣٧)، وهو رأي جيدٌ، وكل هذا لا يقدِّم ولا يؤخِّر في صحّة الحديث إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>