للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر ابنُ قتيبةَ في "المعارِفِ" (١) أنَّ ذلك النبيَّ حزقيلُ بنُ بُوذَى. وقال المدائنيُّ: يُقالُ: إنّه قلَّما فرَّ أحَدٌ مِن الطَّاعونِ فسَلِمَ مِن الموتِ.

قال أبو عمر: لم يبلُغْني أنَّ أحدًا مِن حمَلَةِ العلم فرَّ مِن الطَّاعُونِ، إلّا ما ذكر المدائني: أنَّ علي بنَ زيدِ بنِ جُدعانَ هرَب مِن الطَّاعُونِ إلى السَّيَالةِ (٢)، فكان يُجمِّعُ كلَّ جُمُعَةٍ ويرجِعُ، فكان إذا جَمَّعَ صاحُوا به: فرَّ مِن الطَّاعُون. فطُعِنَ فماتَ بالسَّيَالةِ. قال: وهرَب عمرُو بنُ عُبيدٍ ورِبَاطُ بنُ محمد بنِ رِبَاطٍ إلى الرِّباطيةِ (٣)، فقال إبراهيمُ بنُ علي الفقيميُّ:

لما اسْتَفَزَّ الموتُ كلَّ مُكَذِّبٍ ... صبَرْتُ ولم يَصْبِرْ رِبَاطٌ ولا عَمْرُو (٤)

أخبرنا خلفُ بنُ القاسم، قال: حدَّثنا الحسنُ بنُ رشيقٍ، قال: حدَّثنا يمُوتُ بنُ المُزرِّع، قال: حدَّثنا الرِّياشيُّ (٥)، قال: حدَّثنا الأصمعيُّ، قال: لما وقَع الطَّاعونُ الجارفُ بالبصرةِ فني أهلُها، وامتَنعَ الناسُ مِن دَفْنِ موتاهم، فدخَلَتِ السِّباعُ البصرةَ على ريح الموتَى، وخَلَتْ سِكَّةُ بَني جريرٍ مِن الناس، فلم يُبْقِ اللهُ فيها سِوَى جاريةٍ، فسَمِعَتْ صوتَ الذِّئْبِ في سِكَّتِهم ليْلًا، فأنْشَأتْ تقول:

ألا أيَّها الذِّئبُ المُنادي بسُحْرَةٍ ... إليَّ أُنبئْكَ الذي قد بَدَا لِيَا


(١) المعارف، ص ٥١.
(٢) السَّيَالة: بفتح أوَّله وتخفيف ثانيه: موضع بينه وبين المدينة تسعة وعشرون ميلًا، وهي أول مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكّةَ. ينظر: معجم البلدان ٣/ ٢٠٨، ومراصد الاطلاع ٢/ ٧٦٣.
(٣) الرباطية: ذكر الحسن بن عبد الله الأصفهاني أنه ماءٌ في الطريق إلى البصرة من جزيرة العرب. ينظر: بلاد العرب، له ص ٢١٣.
(٤) ينظر هذا البيت مع الخبرين السابقين في كتاب التعازي والمراثي والمواعظ والوصايا لمحمد بن يزيد المبرّد ص ٢١٨.
(٥) أبو الفضل، العبّاس بن الفَرَج الرِّياشيّ، النَّحوي اللغويّ البَصْريّ، يروي عن الأصمعيَ عبد الملك بن قُرَيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>