للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورُويَ هذا المعْنَى عن أبي نَضْرَةَ، وزادَ: وهو معنَى قوله تعالى: {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} [يس: ٦٦].

وروى وكيعٌ، عن شعبةَ، عن عبدِ الله بنِ السَّائبِ، عن رجلٍ، عن ابنِ عباسٍ، أنّه قال في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}. قال: هو خطابٌ للكفَّار (١). ورُويَ عنه أنّه كان يقرأُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (٢)، ردًّا (٣) على الآياتِ التي قبلَها في الكفَّارِ؛ قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم: ٦٨]. و: (أيُّهُم أشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أوْلَى بِها صلِيًّا * وإنْ مِنْهُمْ إلَّا وارِدُهَا). وقال ابن الأنباريِّ (٤) محُتَجًّا لمصحَفِ عثمانَ وقراءَةِ العامةِ: جائزٌ في اللغةِ أن يَرجعَ مِن مخُاطَبةِ الغائبِ إلى لفظِ المُواجهةِ بالخطَابِ، كما قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (٢١) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان: ٢١ - ٢٢]، فأبدَلَ الكافَ مِن الهاء.

قال أبو عمر: وتَرجِعُ العربُ أيضًا مِن مُواجهةِ الخطاب إلى لفظِ الغائبِ، قال اللهُ تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: ٢٢]. وهذا كثيرٌ في القرآنِ وأشعارِ العربِ، وأحسنُ ما قيلَ في ذلك قولُ الشاعرِ:


(١) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ١٨/ ٢٣٢ من طريق شعبة، به. وذكره البيهقي في شعب الإيمان ١/ ٣٣٥ وقال: "وهذا منقطع. والرواية الأولى عن ابن عباس أكثر وأشهر"، يعني: التي فيها جداله لنافع بن الأزرق.
(٢) أخرجه الطيالسي كما في تفسير ابن كثير ٥/ ٢٢٤، وابن جرير الطبري في تفسيره ١٨/ ٢٣٢ من طريق شعبة، عن عبد الله بن السائب، عن رجل سمع ابن عباس.
ويُروى أن عكرمة مولى ابن عباس كان يقرؤها كذلك كما في تفسير ابن جرير ١٨/ ٢٣٢، وهي من القراءات الشاذة، ينظر: مختصر شواذ القراءات لابن خالوية ص ٨٩.
(٣) قوله: "ردًّا" لم يرد في د ١.
(٤) في كتاب الأضداد له ص ١٣٤. وينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٨/ ٣٢٥ و ١١/ ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>