للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنو آدمَ، وقال: "إن الملائكةَ تتأذَّى بما يتأذَّى منه بنو آدمَ" (١). وقال: "يؤذينا بريح الثُّوم"، ولا يَحِلُّ أذَى الجلَيسِ المسلِم حيثُ كان.

قال أبو عمر: في هذا الحديثِ مِن الفقهِ: معرفةُ كونِ البقُولِ والخُضَرِ بالمدينةِ، فلما لم يَنقُل أحَد عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنّه أخَذ منها الزكاةَ، دلَّ على أنَّ الزكاةَ ساقطةٌ عن الخضَرِ، وعمَّا أخرجتِ الأرضُ غيرَ القُوتِ المُدَّخَرِ. وقد أوضحنا هذه المسألة، وذكرنا وجوهَها واختلافَ العلماء فيها في أولِ بلاغاتِ مالكٍ، وذلك قولُه، أنَّه بلَغه عن سليمانَ بنِ يَسَارٍ وبُسْرِ بنِ سعيدٍ، أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فيما سقَت السماءُ العُشرُ" الحديثَ (٢).

وفي هذا الحديثِ أيضًا (٣) مِن الفقهِ: أن أكلَ الثُّوم ليس بمحرَّم؛ لأن الحرامَ لا يقالُ فيه: مَن فعَله فلا يَفعلْ كذا. لشيء غيرِه؛ لأن هذا لفظُ إباحَةٍ لا لفظُ مَنعْ، وليس هذا مِن بابِ ما رُوي عنه -صلى الله عليه وسلم-: "مَن شَرِب الخمرَ فَليُشقِّصِ الخنازيرَ" (٤). في شيءٍ؛ لأنَّ شُربَ الخمرِ وتَشقِيصَ الخنازيرِ كلاهما محرَّمٌ.


(١) سيأتي بإسناد المصنِّف مع تمام تخريجه بعد قليل.
(٢) الموطّأ ١/ ٣٦٣ (٧٢٤) بلفظ "فيما سَقَتِ السَّماءُ والعيونُ والبَعْلُ العُشْرُ، وما سُقِيَ بالنَّضْح نِصْفُ العُشْر". وسيأتي تمام تخريجه مع مزيد كلام عليه في موضعه في أوَّل بلاغات مالك.
(٣) قوله: "أيضًا" لم يرد في د ١.
(٤) أي: فلْيستَحِلّ أكلَها؛ والتَّشْقيصُ يكون من وجهين، أحدُهما: أن يذبَحَها بالمِشْقِص: وهو نَصْلٌ عريضٌ. والوجهُ الآخرَ: أن يجعلها أشقاصًا بعد ذبْحِها كما يَفْصِل أجزاءَ الشاةِ إذا أرادوا إصلاحَها للأكْل.
ومعنى الكلام: إنّما هو توكيد التَّحريم والتغليظ فيه، يقول: مَن استحلَّ بيعَ الخمر، فلْيستحِلَّ أكْلَ الخنزير، فإنّهما في الحُرمة سواءٌ: اي: إذا كنتَ لا تستحِلُّ أكْلَ الخنزير فلا تستحلُّ ثَمَن الخمرِ. (ينظر: معالم السنن للخطابي ٣/ ١٣٤، وعون المعبود وحاشية ابن القيمِّ ٩/ ٢٧٥).=

<<  <  ج: ص:  >  >>